Loading...

التضخم العالمي يتزايد رغم تباطؤ النمو الاقتصادي

Loading...

التضخم العالمي يتزايد رغم تباطؤ النمو الاقتصادي
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأثنين, 28 يناير 08

إعداد ــ علاء رشدي:
 
يعاني الاقتصاد العالمي حالياً من ظاهرة مقلقة تتمثل في ارتفاع معدلات التضخم رغم تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا ومناطق أخري.. وتقول مجلة الأيكونوميست إن التضخم العالمي ارتفع بنسبة %4.8 شهر نوفمبر من العام الماضي.. بزيادة %2 عن العام الأسبق، وفقا لمؤشر جولدمان ساكس، كما ارتفعت الأسعار بشكل متسارع في نحو %80 من الدول التي رصدها المؤشر.. وأظهرت أحدث البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا ارتفاع أسعار المستهلكين في أمريكا في شهر ديسمبر الماضي بنسبة %4.1 مقارنة بزيادة بلغت %2.5 في نفس الشهر من العام الأسبق، بينما بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو %3.1 في أعلي مستوي من نوعه منذ طرح العملة الأوروبية الموحدة للتداول.. وفي الصين بلغت نسبة التضخم %6.9 وذلك في أعلي معدل من نوعه منذ 11 عاماً.

 
وإذا رجعنا إلي العقود السابقة نجد أن معدل تضخم يبلغ %5 يعكس زيادة في الأسعار تزيد علي %10.. تلك الزيادة التي عانت منها الدول المتقدمة في حقبة السبعينيات واستمرت لفترة طويلة في الاقتصادات الناشئة.. مع الأخذ في الاعتبار أن متوسط معدل التضخم في الدول الفقيرة بلغ %50 في سنوات التسعينيات.. ورغم أن معدلات التضخم الحالية ذاتمستويات أقل،  فإنها تطرح تساؤلات عديدة في مقدمتها كيف يرتفع التضخم في ظل الأوضاع الحالية من ضعف مبيعات التجزئة وارتفاع معدلات البطالة وركود أكبر اقتصادات العالم في الولايات المتحدة وانتقال عدوي الركود إلي الاقتصاد الأوروبي! وهل سيؤثر التضخم المرتفع علي وعود بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيضه السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد؟
 
وتتوقف الإجابة علي هذه التساؤلات علي تحديد العوامل والضغوط التي تدفع التضخم نحو الارتفاع ومدي قوة واستمرارية تلك الضغوط في أوقات تباطؤ النمو الاقتصادي، فالتضخم في النهاية هو عبارة عن ظاهرة مالية لذلك فإن مسئولية انفلاته تقع علي عاتق البنوك المركزية.. ويشير فريق من المحللين إلي أن ارتفاع معدلات التضخم الحالية جاءت نتيجة للسياسات المالية التوسعية التي اتبعتها هذه البنوك في السنوات الأخيرة من خفض لأسعار الفائدة الحقيقية وزيادة متسارعة في معدلات الاقراض وخاصة في الاقتصادات الناشئة.. بينما يري فريق آخر من الخبراء أن مهمة البنوك المركزية أصبحت أكثر صعوبة وبصفة خاصة بعد أن تحولت العولمة من ظاهرة تكافح التضخم إلي ظاهرة تضخمية، فالسلع الصينية الرخيصة التي انتشرت في العالم والتي تدفع بمستويات الأسعار نحو الانخفاض ربما يكون قد انتهي تأثيرها نتيجة للزيادة الضخمة في الطلب علي السلع وخاصة من جانب العالم النامي مما أدي لارتفاع أسعار السلع إلي مستويات غير مسبوقة.
 
وإذا كانت هذه الآراء ووجهات النظر تحمل جانبا من الحقيقة فإن أيا منها لا يقدم بمفرده تفسيرا متكاملاً لمسار الاتجاهات الحالية للأسعار.. ففي بعض الاقتصادات الناشئة أدي تخفيض السياسات النقدية بصورة واضحة إلي ارتفاع معدلات التضخم مثلما حدث في دول الخليج العربية كنتيجة مباشرة لارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي.. ولكن في مناطق أخري تبدو الصورة أقل وضوحاً.. ففي الصين أدت المخاوف من حدوث اضطرابات اجتماعية إلي وضع كبح جماح التضخم علي رأس أولويات الحكومة والتي اتخذت مؤخراً حزمة من الإجراءات للسيطرة علي معدلات التضخم المرتفعة.. فقد أدي تراكم احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية إلي زيادة كبيرة في نمو الأموال المحلية مما دفع التضخم نحو مستويات مرتفعة للغاية حيث زاد بمقدار ثلاثة أمثاله في العام الماضي، ولكن ارتفاع أسعار الأغذية ساهم أيضاً بدرجة كبيرة في زيادة مستويات التضخم ولذلك اتجهت الصين مؤخراً نحو تقييد السياسات المالية وتقييد الإقراض بشكل سريع.
 
وارتفعت الأجور في الصين بنسبة %19 في العام الذي انتهي في شهر سبتمبر الماضي، ولكن معدل الإنتاجية يرتفع بشكل متسارع حيث يبلغ حالياً %20 سنوياً بما يعني أن إجمالي نفقات الوحدات الانتاجية يتجه نحو الانخفاض.. ولذلك فإن ارتفاع أسعار الواردات الأمريكية من الصين مؤخراً بعد سنوات من الانخفاض، إنما يرجع إلي ضعف الدولار بشكل أساسي وليس إلي زيادة تكلفة المنتجات الصينية، وحتي إذا ارتفعت أسعار المنتجات الصينية فإنها لن تؤدي إلي زيادة معدلات التضخم في الانتقادات الفنية لأنها حتي مع ارتفاعها ستكون رخيصة بالنسبة لمثيلاتها المحلية في هذه الدول.

 
ولعل الصلة المباشرة بين مجتمعات نامية مثل الصين والضغوط التضخمية تأتي من خلال أسعار السلع.. فقد شهدت أسعار العديد من المواد الخام ارتفاعاً كبيراً خلال الاثني عشر شهراً الماضية.. وارتفع مؤشر الأيكونوميست لأسعار السلع ــ بالدولار الأمريكي ــ بنسبة %26 مقارنة بالعام الماضي، كما ارتفع مؤشر أسعار الأغذية بنسبة %50، ومؤشر أسعار البترول بنسبة %80 في نفس الفترة، وهذه الارتفاعات هي السبب الرئيسي وراء زيادة معدلات التضخم علي مستوي العالم.

 
فالنمو الاقتصادي العالي يعتمد بشكل متزايد علي دول مثل الصين والهند ذواتي النمو القوي المتسارع مقارنة بمعدلات النمو الضعيفة والبطيئة في المجتمعات المتقدمة.. حيث شكلت الصين منذ عام 2001 حوالي نصف الزيادة في الطلب العالمي علي المعادن وحوالي %40 من الزيادة في الطلب علي البترول، وهذا النمو يعني أن الارتباط التقليدي بين دورة النشاط الاقتصادي في أمريكا وبين أسعار السلع قد بدأ يتغير، ففي دورات الركود الاقتصادي السابق في الولايات المتحدة، انخفضت أسعار البترول والعديد من السلع الأخري، ولكن ذلك لم يعد يحدث الآن حيث يري الخبراء الاقتصاديون في إتش إس بي سي أن الارتباط بين الإنتاج الصناعي وأسعار السلع بدأ يتلاشي منذ أعوام قليلة مضت.. ولكن ذلك لا يعني أن تستمر أسعار السلع في الارتفاع بلا رابط، فالاقتصادات الناشئة ربما تكون أكثر مرونة في التعامل مع الآثار السلبية لركود الاقتصاد الأمريكي، ولكنها لن تحقق نموا متسارعا في مثل هذه الظروف، ولذلك فالطلب علي السلع سوف يتباطأ، وعلي المدي البعيد ستؤدي أسعار السلع المرتفعة إلي زيادة كبيرة في المعروض منها مما سيدفع الأسعار نحو التراجع.. فجانب كبير من الزيادة في أسعار المواد الخام والسلع في الأعوام الأخيرة يعكس النمو المرتفع للاقتصادات الناشئة، وحتي إذا لم تنخفض أسعار السلع فإن معدلات زيادتها ستتباطأ لأن معدلات النمو المتسارع لهذه الاقتصادات ستتباطأ أيضاً.

 
وإذا كانت البنوك المركزية قد اكتستب شهرة بأنها هي التي تتصدي للتضخم وتحاربه، فإن توقعات المواطنين والشركات حول أوضاع التضخم في المستقبل ستوثر بلا شك علي قدرة البنوك المركزية علي كبح جماح التضخم، فإذا توقع العاملون والشركات معدلات تضخم مستقبلية مرتفعة وتم وضع سياسات الأجور علي هذا الأساس وبالتالي ستتجه الأسعار نحو الارتفاع، فإن البنوك المركزية ستجد نفسها حينئذ في موقف لا تحسد عليه وستواجه مشكلات كبري.
 
ولما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد بدأ سلسلة من الخفض في أسعار الفائدة الأساسية لتحفيز أكبر اقتصاد في العالم وانتشاله من براثن الركود الذي بدأت علاماته تظهر بوضوح، فإن هناك أخطارا كبري من تزايد الضغوط التضخمية، ولكن الاحتياطي الفيدرالي يعطي أولوية في الوقت الحاضر لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد، ويري الخبراء أنه حتي إذا هدأت حدة الارتفاع في أسعار السلع، فإن استمرار ضعف الدولار سيزيد من الضغوط التضخمية ويضع بنك الاحتياطي الفيدرالي أمام مشكلة معقدة وخيارات صعبة.. فكيف سيستمر البنك في سياساته التحفيزية في الوقت الذي ينفلت فيه عيار التضخم؟

جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأثنين, 28 يناير 08