يوسف بطرس غالى
نشوي عبد الوهاب – أمنية إبراهيم:
رفض عدد من الخبراء المصرفيين محاولات وزارة المالية الالتفاف علي قانون سرية حسابات العملاء من خلال تقدم الإدارة المالية لمكافحة التهرب الجمركي بطلب لأحد البنوك للحصول علي صورة من أصل نموذج »4« الخاص بالعملية الاستيرادية ببعض العملاء، دون الحصول علي أمر من محكمة استئناف القاهرة، الذي يعتبر شرطاً ضرورياً للاطلاع علي حركة أرصدة وحسابات العملاء وفقاً لأحكام سرية الحسابات بالقانون 88 لسنة 2003.
واستند المصرفيون إلي عدم شرعية طلبات وزارة المالية، مؤكدين ضرورة لجوء مصلحة الجمارك لمحكمة استئناف القاهرة للحصول علي إذن بالاطلاع علي البيانات والمعلومات السرية وحركة الأرصدة الخاصة بعميل معين، لإثبات جريمة التهرب الجمركي عليه دون تعميم الطلبات علي جميع العملاء والمستوردين.
وتوقع المصرفيون انتهاء الأزمة بين وزارة المالية والبنوك برضوخ »المالية« إلي امتناع البنوك عن تقديم المستندات المطلوبة دون إذن محكمة استئناف القاهرة للكشف عن سرية حسابات العميل.
من جانبه وصف محمد سليم، مدير الإدارة القانونية بالبنك العربي الأفريقي الدولي، طلب وزارة المالية الخاص بالحصول علي صورة من نموذج »4« الصادر من البنوك عند عمليات الاستيراد الخاصة بعملائها بأنه »خرق لقانون سرية حسابات العملاء«، نظراً لقيام الموظف المختص بمراجعة كشوف وحسابات العميل والاطلاع علي بياناته ومعلوماته الخاصة، وباعتبار أنه من المفترض أن يكون لدي وزارة المالية ومصلحة الجمارك جميع الأوراق والمستندات الخاصة بالعملية الاستيرادية منذ بدء تنفيذها، فلماذا تطلبها الآن من البنوك؟
وأضاف مدير الإدارة القانونية أنه علي مصلحة الجمارك اللجوء لمحكمة استئناف القاهرة لاستصدار أمر لتمكينها من الاطلاع علي البيانات والمعلومات الخاصة بأي عميل، ذلك لأن قانون سرية الحسابات يقر بأنه إذا كانت هناك دلائل جدية علي ارتكاب جناية أو جنحة وأن هناك تحقيقات جارية مع عميل من عملاء الجمارك وتبين وجود أدلة اتهام علي ارتكاب ذلك الممول مخالفة، فإنه يحق للنيابة »جهة التحقيق« أن تطلب من محكمة استئناف القاهرة اطلاع الجهة المختصة علي بيانات ومعلومات العميل، وأوضح أن قانون سرية الحسابات لا يسمح بالاطلاع علي أي بيانات إلا بعد موافقة العميل أو بناء علي طلب الورثة أو الوكيل المفوض أو حكم المحكمين أو بناء علي حكم قضائي.
وفي غير هذه الحالات لا يسمح بإعطاء الحق لأي جهة بالاطلاع علي البيانات السرية للعميل إلا إذا قامت السلطة المختصة بتقديم طلب لمحكمة استئناف القاهرة للحصول علي إذن بالاطلاع علي البيانات والمعلومات السرية للعميل في البنوك.
وحول مدي إمكانية إنهاء المشكلة القائمة بالوصول إلي حل ودي مع وزارة المالية أكد سليم أن البنوك لن تساوم علي القانون، وأن المسألة تتعلق بمصالح عملائها وسرية حساباتهم وأكد أن دور البنوك الأساسي يتمثل في حماية سرية البيانات والمعلومات الخاصة بالعملاء وأنها لا تستطيع القيام بمفاوضات مع »المالية« لاختراق سرية حسابات العملاء.
فيما رفضت زينب أبو الفرج المستشار القانوني بالبنك الأهلي سابقاً طلبات وزارة المالية بالحصول علي صورة من نموزج »4« الصادر عن البنك بخصوص عمليات الاستيراد التي تخص عملاءه وذلك لإثبات جرائم التهرب الجمركي، ووصفته بأنه تعد واضح من وزارة المالية علي سرية حسابات العملاء، موضحة أن نموذج »4« يحتوي علي بيانات خاصة باسم العميل المصدر أو المستورد وأرقام حساباته وحجم أعماله وهو ما يعتبر بيانات خاصة للعميل.
وأكدت أن البنوك ليست طرفاً في العلاقة بين المصدرين والمستوردين ووزارة المالية، وبالتالي من حقها الاحتفاظ ببيانات عملائها في سرية تامة طبقاً لقوانين وأحكام سرية الحسابات بالقانون 88 لسنة 2003.
وشددت أبو الفرج علي أن القانون ينص علي أن الكشف عن بيانات ومستندات خاصة بالعملاء، يخضع لعدد من الضوابط والقيود، منها الحصول علي إذن أو موافقة من محكمة الاستئناف بالقاهرة للكشف عن سرية حسابات العميل، وذلك بشرط أن يكون لأغراض معينة كالتي في حكم جناية أو جنحة لحساب العميل.
وأشارت إلي أن الضوابط حددت عدداً من الجهات التي يسمح لها بالحصول علي البيانات طبقاً لحكم محكمة الاستئناف مثل البنك المركزي وذلك لضبط الإيقاع المصرفي، بالإضافة إلي المحاسبين باعتبارهم جهات مراقبة تحتاج إلي بيانات في إعداد القوائم المالية الخاصة بالعملاء أو البنك نفسه.
وتوقعت المستشار القانوني السابق للبنك الأهلي ألا يصل الخلاف الحادث بين وزارة المالية والبنوك إلي مرحلة الأزمة الشديدة، مشيرة إلي أن رفض البنوك طلب الوزارة رغم رأي البنك المركزي المتحيز لصالح المالية، علي اعتبار أن طلبها لا يدرج ضمن الحالات التي تسري عليها أحكام سرية الحسابات يعتبر »قراراً نهائياً« وعلي الأخيرة أن تلتزم بقرار البنوك المتوافق مع أحكام سرية الحسابات.
وعن اشتراط البنوك حصول وزارة المالية علي إذن من محكمة الاستئناف أكدت أبوالفرج أن الوزارة يمكن أن تحصل علي المستندات المطلوبة من البنوك بموافقة محكمة الاستئناف، وذلك في حال تحديد اسم عميل أو شخص بعينه، بينما الواقع هو أن الوزارة ترغب في الحصول علي المستندات الخاصة بجميع المصدرين والمستوردين لإثبات جرائم التهرب الجمركي، الأمر الذي لا يمكن الحصول فيه علي إذن من محكمة استئناف القاهرة، وفي هذه الحالة أشارت أبو الفرج إلي أنه إذا استمرت الوزارة في طلبها الحصول علي بيانات العملاء من البنوك، فإن هذا الأمر يتطلب إجراء تغيير تشريعي في الأحكام الخاصة بسرية الحسابات لاستثناء وزارة المالية من إذن محكمة الاستئناف، وهو ما وصفته بأنه »أمر مستحيل« في ظل قاعدة غياب الاستثناءات عن القوانين الموضوعة.
واتفق معها في الرأي عاطف الشامي، مساعد العضو المنتدب السابق ببنك كريدي أجريكول، موضحاً أن طلبات وزارة المالية من البنوك تعتبر غير قانونية حيث لا يمكن للبنك الإفراج أو السماح بمنح مستندات لجهة بعينها دون إذن من محكمة الاستئناف للكشف عن البيانات للجهة المطلوبة.
ولفت إلي أن طلبات وزارة المالية تكشف عن البيانات السرية للعملاء بشكل غير مباشر حيث إنها تطلع علي حجم الاستيراد لشخص بعينه وبالتالي الاطلاع علي حجم أعمال العميل ومن ثم معرفة إيراداته وبياناته وهذا مخالف للقانون.
وأوضح الشامي أن طلب وزارة المالية جاء بناء علي رغبتها في حصر التهرب من الجمارك والضرائب والحصول علي البيانات للمقارنة بين التقرير الضريبي المقدم وحجم الأعمال الفعلية ومن ثم التأكد من صحة البيانات الضريبية، منبهاً إلي موافقة البنك المركزي علي طلبات وزارة المالية كجهة حكومية لتوفير مصدر سهل للوزارة للحصول علي البيانات بسرعة وسهولة بجانب تلك التي تمتلكها مصلحة الضرائب والجمارك.
وأشار مساعد العضو المنتدب إلي أن الحل النهائي لهذه الأزمة يتم بخضوع وزارة المالية لأوامر ونصوص القانون والتقدم للحصول علي إذن من المحكمة لأشخاص بعينها وباسماء محددة وليس لقوائم مجمعة كما كانت ترغب الوزارة.
لافتاً إلي أن طلبات وزارة المالية بأن تطلع علي بيانات البنوك كإجراء طبيعي يتطلب تعديلاً في قانون سرية الحسابات لإدخال الوزارة كاستثناء فيها، وهو ما اعتبره الشامي أمراً يستحيل معه حدوث تغير في القوانين لصالح الوزارة.
وأكد أن الوزارة سترضخ في النهاية لأحكام قانون سرية الحسابات وستكتفي بالبحث والتأكد من اسماء بعينها من العملاء وليست جميع القوائم.
فيما رأي حسن الشريف، مدير عام بنك الشركة المصرفية العربية الدولية، أنه يمكن السماح لوزارة المالية بالحصول علي جميع البيانات والمعلومات المتعلقة بالعملية الاستيرادية، مثل طبيعة الشحنة وقيمة النولون والتأمين ومصروفات الشحن وذلك بالاتفاق الودي فيما بين البنوك ومصلحة الجمارك، مؤكداً أنه ليس من حق »المالية« طلب أي معلومات تتعلق بأرصدة حساب العميل وفقاً لقانون سرية الحسابات، موضحاً أنه يمكن للوزارة الاطلاع علي البيانات السرية لحسابات العملاء بحكم قضائي وبشكل خاص وليس علي المشاع أي يخص عدداً من العملاء، نظراً لأنه إذا استطاعت الوزارة الحصول علي بيانات أي عميل في أي وقت فإن قانون سرية الحسابات يكون في تلك الحالة غير معمول به.