لم تثر موافقة البنك الاهلي علي بيع حصته في التجاري الدولي غضب السوق علي الرغم انها ستتم علي مضاعف ربحية منخفض يبلغ 12.8 مرة. وجاء تقبل حملة السهم للصفقة علي خلفية وضع البنك الاهلي حدا للمخاوف من اختفاء اكبر البنوك التجارية الخاصة عن طريق قيام احدي المؤسسات المصرفية الدولية بالاستحواذ عليه بالكامل علي غرار ما سيحدث للبنك المصري الامريكي باستحواذ كاليون مصر عليه. وكان البنك المركزي قد رفض ان يتعرض التجاري الدولي لعملية استحواذ شاملة عن طريق تقدم احدي المؤسسات الدولية بعرض شراء %100 من اسهمه مع الاكتفاء ببيع حصة البنك الاهلي فيه البالغة %18.7. ولن تضر الصفقة بحملة السهم من المؤسسات والافراد حيث تزامن نشر سعر الشراء مع قيام البنك التجاري الدولي بالاعلان ضمن سعيه للحفاظ علي مكانة في صدارة قائمة البنوك التجارية الخاصة عن توجهه لاصدار سندات بقيمة 2 مليار جنيه مع زيادة رأس المال المصرح به من 1.5 مليار جنيه الي 5 مليارات جنيه تمهيدا لزيادة رأس المال المدفوع من 1.3 مليار جنيه ليتخطي 1.85 مليار جنيه وهو رأس المال المدفوع للبنك الاهلي سوسيتيه. واستجاب سهم التجاري الدولي لذلك بتسجيل اعلي مستوياته علي الاطلاق في جلسة الاربعاء الماضي بوصوله الي مستوي 62 جنيها في حين يبلغ سعر بيع حصة البنك الاهلي 53.5 جنيه.
ويعد التجاري الدولي افضل البنوك المصرية من ناحية جودة الاصول حيث تنحصر الديون المتعثرة في %5.3من اجمالي محفظة البنك من القروض, كما يصل معدل تغطية المخصصات للقروض المتعثرة الي مستوي %150. يجيء ذلك انعكاسا للسياسة الائتمانية التحوطية التي يتبعها البنك مع توجيهه الجانب الاكبر من قروضه للشركات متعددة الجنسيات والتي تتمتع بدعم قوي من الشركات الام, وتتركز قروضه التي تمنح للشركات المحلية علي العاملة منها في القطاعات الحيوية والتي تشمل البترول, الاسمدة, السياحة, الزراعة, الكهرباء والغاز الطبيعي. وعلي الرغم من السياسة المتحفظة التي يتبعها التجاري الدولي فقد نجح في الحفاظ علي الاتجاه الصعودي لربحيته حتي في اعوام الركود علي خلاف البنوك العامة التي اتجهت نتائج اعمالها للتراجع منذ عام 2001. وكانت النخبة من البنوك التجارية الخاصة قد نجحت في تفادي العديد من الصعوبات التي تواجه البنوك العامة وذلك لاتباعها سياسة ديناميكية لملاحقة المستجدات المصرفية, بالاضافة الي تعاملها بحرفية مع آليات توليد العائد.
وكانت نتائج البنك التجاري الدولي لعام 2005 قد شهدت تغييرا ملحوظا في آليات توليد العائد فمن جهة تراجع صافي العائد من الائتمان بمعدل بلغ %23 وصاحب ذلك هبوط الايرادات من العمولات والخدمات المصرفية مع تصاعد الخسائر من اعادة تقييم الاستثمارات المالية المقتناة بغرض المتاجرة. من جهة اخري تضاعفت الايرادات من الفوائد القادمة من اذون الخزانة والسندات مع تحقيق ارباح رأسمالية ضخمة من بيع شرائح من مكونات محفظة الاوراق المالية والذي صاحبه تسارع الارباح من عمليات النقد الاجنبي بوتيرة متصاعدة لتشكل قاطرة دفعت ارباح عام 2005 للصعود.
وبلغت ارباح البنك من عمليات النقد الاجنبي 142.3 مليون جنيه مقابل 105 ملايين جنيه في عام 2004. وجاء هذا الارتفاع القياسي نتيجة لعدة عوامل تزامن وقوعها وفي مقدمتها صعود الجنيه منذ مطلع عام 2005 بنسبة %5وحقق البنك علي خلفية ذلك ارباح بلغت 36.3 مليون جنيه بعد اعادة تقييم الاصول والالتزامات النقدية بالعملة الاجنبية, وكان البنك قد حقق أرباحا محدودة من هذا البند في عام المقارنة بلغت 1.2 مليون جنيه. وجاء قيام البنك المركزي بتغطية المراكز المكشوفة للبنوك ليمكنها من امداد المصدرين باحتياجاتهم من العملة الصعبة بالاضافة الي تفعيل آلية الانتربنك ليعطي دفعة للارباح من التعامل في العملات الاجنبية لتبلغ 105 ملايين جنيه مقابل 100 مليون جنيه في عام المقارنة.
وبالنسبة للايرادات الاخري من خارج الفوائد فقد ارتفعت ارباح البنك من بيع الاستثمارات المالية مسجلة 75.6 مليون جنيه مقابل 23.2 مليون جنيه في عام المقارنة. وارتفع العائد من الكوبونات ووثائق الاستثمار مسجلا 38.2 مليون جنيه مقابل 31.8 مليون جنيه في فترة المقارنة.
من جهة اخري تكبد البنك خسائر كبيرة من اعادة تقييم الاستثمارات المالية المقتناة بغرض المتاجرة بلغت 20.2 مليون جنيه, جاء ذلك علي الرغم من ارتفاع مؤشرات البورصة بمعدلات قياسية خلال عام 2005 . وكان البنك قد ضخ استثمارات ضخمة في البورصة منذ مطلع عام 2003 للاستفادة من الانتعاش الذي شهدته بعد تعويم الجنيه. وبلغ رصيد المحافظ المالية من الاوراق المالية المقتناة بغرض المتاجرة التي تدار بواسطة الغير 489.8 مليون جنيه في ديسمبر 2005. وبلغ اجمالي رصيد استثمارات البنك المقتناة بغرض المتاجرة في نهاية ديسمبر 1.84 مليار جنيه مقابل 673.3 مليون جنيه في ديسمبر2004. وجاء هذا الارتفاع القياسي في قيمة المحفظة نتيجة لاقتناء البنك وثائق صناديق استثمار بقيمة 1.14 مليار جنيه, ولم يكن للبنك أي رصيد منها في ديسمبر 2004. وتعد جميع مكونات المحفظة المقتناة بغرض المتاجرة مقيدة في بورصة الاوراق المالية باستثناء وثائق الاستثمار.
وبلغ رصيد البنك من الاستثمارات المالية المتاحة للبيع 2.16 مليار جنيه, وتشكل السندات بمختلف انواعها الجانب الاكبر من تلك المحفظة, في المقابل بلغ رصيد الاستثمارات المتاحة للبيع من اسهم الشركات المقيدة في البورصة 576 مليون جنيه, وتكبد البنك خسائر من اعادة تقيم الاستثمارات المالية المتاحة للبيع بلغت 35.5 مليون جنيه, وكانت الخسائر من هذا البند قد بلغت 68.5 مليون جنيه في عام المقارنة.
وبالنسبة للمصدر الرئيسي للدخل من خارج الفوائد والمتمثل في العمولات والخدمات المصرفية فقد تراجع نتيجة لتصاعد المنافسة في مجال التجزئة المصرفية مع تنامي اهتمام البنوك العامة بها, وبلغت ايرادات البنك من هذا البند 342.9 مليون جنيه مقابل 399 مليون جنيه في عام 2004.
وبلغ بذلك صافي العائد من خارج الفوائد 590 مليون جنيه لتساهم بنسبة %39.7 من صافي ايرادات النشاط, مقابل 564 مليون جنيه بنسبة %44 من صافي ايرادات النشاط في عام 2004.
وبالنسبة لنشاط البنك الرئيسي فقد تراجع صافي العائد من الائتمان مسجلا 275 مليون جنيه مقابل 340 مليون جنيه في عام المقارنة. جاء ذلك بعد ان بلغ العائد من القروض والارصدة لدي البنوك 1.407 مليار جنيه مقابل 1.248 مليار جنيه في عام المقارنة. من جهة اخري تصاعدت تكلفة النقود بمعدل فاق نمو العائد من الائتمان مسجلة 1.132 مليار جنيه مقابل 908.2 مليون جنيه في عام المقارنة.
من جهة اخري شهد العائد من اذون الخزانة نموا قياسيا حيث بلغ 620.9 مليون جنيه مقابل 369 مليون جنيه في عام المقارنة. وباضافة العائد من الائتمان الي العائد من اذون الخزانة يبلغ صافي العائد من الفوائد 895.5 مليون جنيه مقابل 708.9 مليون جنيه في عام المقارنة. ليكون بذلك العائد من الفوائد قد ساهم بنسبة %60.3 من صافي ايرادات النشاط مقابل %55.7 في عام 2004.
وباضافة العائد من خارج الفوائد للعائد من الفوائد يكون صافي ايرادات النشاط قد ارتفع بنسبة %16.7 مسجلا 1.458 مليار جنيه مقابل 1.272 مليون جنيه في عام المقارنة.
وجاءت رغبة التجاري الدولي في النهوض بكوادره وإلمامها باحدث التقنيات البنكية خاصة في مجال التجزئة المصرفية لتزيد من المصروفات الادارية والعمومية مسجلة 425.1 مليون جنيه بنسبة %28.6 من صافي ايرادات النشاط مقابل 328.6 مليون جنيه بنسبة %25.8 من صافي ايرادات النشاط في عام المقارنة. ومن المتوقع ان يشهد هذا البند المزيد من الصعود بعد الاستحواذ المنتظر للتجاري الدولي علي البنك الوطني للتنمية, وهو الاستحواذ الذي وافق عليه البنك المركزي في الفترة الاخيرة.
وبلغ بذلك صافي الربح قبل المخصصات 975 مليون جنيه مقابل 828.3 مليون جنيه في عام المقارنة. وحافظ البنك علي سياسة تعزيز المخصصات حيث بلغ ما تم بناؤه منها خلال العام 364.9 مليون جنيه مقابل 322.6 مليون جنيه في 2004. وبخصم المخصصات يكون صافي الربح قد ارتفع بنسبة %20.6 مسجلا 610.3 مليون جنيه مقابل 505.7 مليون جنيه في عام المقارنة.
وجاء استمرار البنك في تعزيز المخصصات ليصل بمعدل تغطيتها الي القروض المتعثرة لمستوي %150 لتكون بذلك الاعلي بين البنوك التجارية الخاصة العاملة في مصر. وربما هدف البنك من وراء ذلك الي اضفاء المزيد من القوة الي مركزه المالي ليعطي دفعة لتقييم حصة البنك الاهلي فيه البالغة %18.7.
وكانت الدولة قد اعلنت في سبتمبر 2004 عن رغبتها في قيام البنك الاهلي المصري ببيع حصته في التجاري الدولي وهو ما اثار تحفظ البعض كون حصص البنوك العامة في النخبة من البنوك المشتركة القوي الضاربة للاولي, واحد خطوط الدفاع التي تتحصن بها في اعوام الركود التي ترتفع خلالها معدلات القروض المتعثرة. وجاء توجه الدولة الاخير الهادف لخروج البنوك العامة من البنوك المشتركة ليثير الكثير من التساؤلات حول الجدوي الاقتصادية من ورائه بغض النظر عن الالتزام التي قطعته الدولة علي نفسها امام صندوق النقد والبنك الدولي القاضي بخروج البنوك العامة من حصصها في البنوك المشتركة لتفادي تضارب المصالح.
ومن المنتظر ان يتسارع معدل نمو ارباح البنك التجاري الدولي خلال الفترة القادمة نتيجة لعدة عوامل, اولها اتجاه المخصصات الموجهة للقروض المتعثرة للتراجع بعد ان وصلت تغطيتها للقروض المتعثرة لمستويات قياسية. ومما يعزز من الاحتمال السابق تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي, وهو ما سينعكس بالايجاب علي معدل تحصيل القروض المتعثرة خاصة بعد ان شجع المركزي البنوك علي التوصل لتسويات مع المتعثرين الجادين. كذلك من المتوقع ان تشهد الاعوام القادمة تراجع معدل اعدام القروض والذي يجيء انعكاسا لقيام البنك بتنفيض محفظة القروض في الثلاثة اعوام الاخيرة باعدامه لجزء من القروض المتعثرة والغير منتظمة , لتبلغ نسبتها الي اجمالي القروض %5.2 في ديسمبر 2005 مقابل %5.6 في ديسمبر2004 . وكان رصيد محفظة البنك من القروض قد بلغ في نهاية ديسمبر الماضي 14.04 مليار جنيه, وبلغ رصيد الودائع 24.87 مليار جنيه, ليبلغ معدل تشغيل القروض للودائع %56.6 مقابل %55.8 في ديسمبر 2004.
استهداف القطاع الاستهلاكي
اعطي التجاري الدولي اولوية في الفترة الاخيرة للقيام بزيادة القروض الممنوحة للقطاع الاستهلاكي والذي بدأ في المساهمة بشرائح متزايدة من اجمالي القروض الممنوحة من القطاع المصرفي, وذهب نصيب الاسد منها للبنوك الاجنبية التي دخلت السوق مؤخرا مستغلة خبراتها المكتسبة في مجال التجزئة المصرفية. وفي حالة نجاح البنك في زيادة حصته من الائتمان الممنوح للقطاع الاستهلاكي سترتفع معدلات الربحية كون الفائدة علي القروض الممنوحة لهذا القطاع اعلي بمعدل ملحوظ من الفائدة الممنوحة للقطاع الصناعي. ومما يزيد من اهمية الصعود بالقروض الممنوحة للقطاع الاستهلاكي نهوض البورصة المصرية وعودتها من جديد مصدرا لتمويل الشركات من خلال طرحها للاكتتاب العام وطرح زيادات رأس المال لقدامي المساهمين بالاضافة الي اصدار سندات علي غرار ما قامت به اوراسكوم تيليكوم واوراسكوم للانشاء والصناعة, وما سيقوم به التجاري الدولي من طرح سندات بقيمة 2 مليار جنيه. ويحد ذلك من لجوء القطاع الخاص للاقتراض من البنوك, وهو ما يشكل المزيد من الضغط علي معدل تشغيل القروض للودائع المتراجع بالفعل.
تصاعد رصيد السندات وأذون الخزانة
قام التجاري الدولي خلال عام 2005 بتكوين رصيد من سندات الشركات المقتناة حتي الاستحقاق بلغ 928 مليون جنيه, ولم يكن للبنك أي رصيد منها في ديسمبر 2004. وكان التجاري الدولي قد وجه منذ عام 2002 جانبا كبيرا من فائض السيولة, الناتج عن تراجع معدل تشغيل القروض للودائع, في السندات واذون الخزانة. وتصاعد هذا التوجه ليبلغ ذروته في الوقت الحالي بوصول رصيده من اذون الخزانة الي 3.5 مليار جنيه مقابل 2.9 مليار جنيه في ديسمبر 2004. وكان العائد علي الاذون قد وصل في يونيو 2003 الي %13 , وتراجع هذا العائد في العامين الاخيرين ليتحرك مؤخرا تحت مستوي %10. ويلقي ذلك بظلاله علي الجدوي الاقتصادية من توسع البنوك في توجيه فائض السيولة الي الاذون والسندات الحكومية. الجدير بالذكر ان قانون البنوك الجديد قد التزم باعفاء العائد علي الاوراق المالية التي يصدرها البنك المركزي من الضرائب, وهو ما انهي مخاوف المصرفيين من الغاء الاعفاء الضريبي علي العائد من اذون الخزانة, وذلك ضمن الاتجاه الذي تبنته الحكومة الجديدة بالغاء كافة الاعفاءات الضريبية.