Loading...

الاقتصاد الحر يفرض «حلوله» علي خيارات اليسار الاقتصادية

Loading...

الاقتصاد الحر يفرض «حلوله» علي خيارات اليسار الاقتصادية
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأحد, 18 مايو 03

رمضان متولي:
 
فاجأت البرازيل الأسواق العالمية مؤخراً عندما أقبل المستثمرون علي شراء سنداتها الدولارية حتي تجاوز الطلب عليها العرض ست مرات رغم ان السندات التي تبلغ قيمتها مليار دولار أمريكي نصت في شروطها علي حق الحكومة البرازيلية في تعديل شروط السند دون موافقة بالإجماع من حاملي السندات. المفاجأة دفعت مؤسسة «ستاندارد آند بورس» إلي تعديل التصنيف الائتماني للبرازيل وتوقعاتها حول جودة الائتمان خلال الفترة القادمة، مما أدي إلي ارتفاع الريال البرازيلي بنسبة %29 مقابل الدولار الأمريكي لينهي بذلك مرحلة طويلة من الضغوط التضخمية التي عاني منها منذ انخفاضه الحاد خلال العام الماضي بعد انتخاب زعيم حزب العمال البرازيلي لولا دا سيلفا رئيسا للبلاد. وكان لولا عامل الصلب السابق ومؤسس الشبكة النقابية التي ضمت العديد من نقابات عمال السيارات إلي جانب التعدين وغيرها من النقابات العمالية، قد حقق نصراً كاسحاً في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الماضي بخطاب يساري، ولكنه التزم هو وحكومة يسار الوسط التي يتزعمها بتطبيق سياسة اقتصادية يعتبرها رجال الأعمال والمستثمرون «سياسة حكيمة» بدأت هذه السياسة، التي أثارت غضب العديد ممن منحوا أصواتهم في صناديق الانتخاب باتباع الحكومة سياسات مالية ونقدية متقشفة تمثلت في خفض الانفاق العام وزيادة الضرائب، ورفع سعر الفائدة علي الريال إلي %26.5، وفي نفس الوقت قاوم لولا مطالب النقابات العمالية بزيادة الأجور تماشيا مع نسبة التضخم، وقام بزيادة سن الخروج علي المعاش سبع سنوات أخري، ووضع خطة اصلاح ضريبي ومالي تهدف إلي تشجيع القطاع الخاص وبث الطمأنينة في صدور الدائنين، حيث تبلغ قيمة الديون الخارجية علي البرازيل حوالي 260 مليار دولار .

 
ورغم كل وعوده السابقة جاءت سياسات لولا وحكومته علي العكس تماماً من طموحات الناخبين الأمر الذي دفع النقابات العمالية إلي تنظيم مظاهرات كبيرة اعترضت طريقه اثناء التوجه إلي الكونجرس البرازيلي لعرض خطة «الاصلاح الاقتصادي» التي يعتزم تطبيقها علي مدي أربعة أعوام .
 
الاتجاه الذي يمثله تطور موقف لولا وحكومته في البرازيل لا يعد استثناء، بل نموذجاً متكرراً لتطور الفكر الاقتصادي الاحزاب اليسارية ويعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وحزبه أبرز هذه النماذج وضوحاً وصراحة في توجهاته اليمينية .
 
فمنذ اكتساح حزب العمال البريطاني الجديد انتخابات مايو 1997، وإزاحة حكومة المحافظين التي احتفظت بالسلطة 18 عاما متواصلة، تبنت الحكومة الجديدة اعطاء الحرية لبنك انجلترا في تحديد السياسة النقدية وأعلنت الحكومة بعد ذلك مباشرة عزمها علي تخفيض الإنفاق العام إلي الحدود التي قررتها حكومة المحافظين السابقة وفي نفس الوقت الذي أعلن فيه بلير تثبيت مستوي الانفاق علي المعاشات عند المستويات التي أقرتها حكومة المحافظين، كان يسعي إلي تخفيض ضرائب الشركات إلي الحد الذي دفع وزير الخزانة في حكومته إلي التباهي بأن ضرائب الشركات في بريطانيا وصلت إدني مستوياتها في أوروبا، وأقل نسبة من الضرائب بالمقارنة مع الدول المتقدمة الأخري في العالم ونشرت جريدة الجارديان البريطانية في مارس 2001 تقريراً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية جاء فيه ان بريطانيا تتميز بين الدول الأوروبية الأخري بأقل درجة من تدخل الدولة في تنظيم السوق، وأقل نسبة ضرائب علي أرباح الشركات، وأقل دولة في تكلفة العمالة، وبالنسبة لتكلفة العمالة فإن بريطانيا ليست الأقل مقارنة بأوروبا فقط وإنما ايضا بالولايات المتحدة، وأكدت الجريدة ان متوسط نسبة التأمينات الاجتماعية والضرائب العمالية في أوروبا بلغ %24 بينما يبلغ في بريطانيا %13 فقط. وصرح وزير العمل في حكومة بلير ان الحكومة اتخذت الاجراءات اللازمة حتي تضمن ان تكون التشريعات الجديدة تشريعات عملية، وأن تخفف الأعباء عن قطاع الأعمال إلي الحد الأدني .
 
لم تقتصر سياسات توني بلير علي خفض الانفاق العام في مجالات الصحة والتعليم والمواصلات وإنما امتدت إلي السعي من أجل خصخصة المؤسسات الخدمية ودعوة رجال الأعمال لشراء أصولها من خلال «مبادرة التمويل الخاص»، ورغم عدم تحقق المشروع حتي الآن، إلا ان إدارتي القطاع العام والخدمات حاليا تتبني نفس أساليب المؤسسات الخاصة وكانت ذروة الاتجاهات السياسية اليمينية لحكومة العمال هي قرار المشاركة في العدوان الأمريكي علي العراق، والذي أدي إلي خروج أكبر مظاهرة اعتراضا علي هذا القرار .
 
وفي نفس السياق، يخوض المستشار الألماني وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني جيرهارد شرودر صراعا مريراً ضد رجال الحزب الذين يرفضون سياسات شرودر المتعلقة «بتحرير سوق العمل» وتخفيض الإنفاق العام خاصة علي التأمينات الاجتماعية وفي خضم هذا الصراع استطاع يسار الحزب ان يجبر شرودر علي الموافقة علي عقد مؤتمر استثنائي في أول يونيو القادم لمناقشة خطة شرودر التي تتضمن تخفيض إعانة البطالة وزيادة سن الخروج علي المعاش، بالإضافة إلي اطلاق حرية رجال الأعمال في التخلص من العمالة .
 
رجال الأعمال في ألمانيا أعربوا عن ترحيبهم بمقترحات شرودر مؤكدين ان المخرج الوحيد من أزمة تراجع القدرة التنافسية للمنتجات الألمانية يتمثل في خفض تكلفة الأجور وإعانات البطالة والإنفاق علي المعاشات، بينما يري قادة الحزب المعارضين لتوجهات شرودر ان هذه السياسات تتعارض مع مباديء الحزب وتعتبر خرقاً للوعود الانتخابية التي دفعت بالحزب إلي السلطة، مؤكدين علي ضرورة زيادة الانفاق العام وتمويل هذه الزيادة من خلال القروض أو زيادة الضرائب علي أرباح الشركات .
 
لم يكن شرودر يتوقع كل هذه المقاومة اضافة إلي انه يتعرض لمجموعة من الضغوط المتعاكسة تتمثل في التزامات ألمانيا بخفض مستوي العجز في الموازنة بموجب اتفاق النمو والاستقرار الذي يمثل الدعامة الأساسية لدمج اقتصاديات منطقة اليورو، اضافة إلي ضغوط رجال الأعمال الذين هددوا بنقل استثماراتهم إلي خارج ألمانيا ان لم تقم الحكومة بإجراء هذه الاصلاحات وايضا الضغوط التي يمارسها الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي الديمقراطي وقادة النقابات العمالية من جانب آخر. الأمر الذي دفعه إلي التهديد بالاستقالة من منصبه إذا لم يوافق الحزب علي برنامجه الإصلاحي ويبدو ان قادة الدول جميعهم بغض النظر عن الانتماءات الفــــكرية قد وحــــدوا مــــواقفهم بينما يشكو الجميع من ان السياسات الاقتصادية هنا وهناك لم تؤت ثمارها المنشودة .
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأحد, 18 مايو 03