الاحترام والترقي والتطور كلها أمور مطلوبة ليـــس بالمـــال وحـــده تبـقي الكــــــــفاءات

الاحترام والترقي والتطور كلها أمور مطلوبة ليـــس بالمـــال وحـــده تبـقي الكــــــــفاءات
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأحد, 4 مايو 03

أشرف فكري:
 
تشكو كثير من المؤسسات والشركات من كثرة انتقال موظفيها وخاصة الكفاءات منهم وتركهم العمل فجأة وبدون سابق انذار للالتحاق بوظائف في مؤسسات أخري منها المنافس في المجال، وأحياناً تشكل هذه الظاهرة مشكلة خصوصاً عندما يتعلق الامر بمن تلقوا تدريباً خاصاً علي حساب المؤسسة طوال مدة عملهم بالشكل الذي تتطلع معه للاستفادة من خبراتهم المتراكمة لتبدأ الشركة في البحث عن الاسباب الحقيقية راء انتقال موظفيها إلي مكان آخر والدوافع وراء ذلك خاصة إذا كانت توفر لهم اجورا جيدة وتدريبا عالياً .

 
في البداية تقول حبيبة أحمد مدير موارد بشرية بالجامعة الامريكية إنه علي الرغم من أهمية الجانب المادي في مسألة انتقال الموظف من شركة إلي اخري أنه ليس سبباً كافياً لدفع العمال الموهوبين للانتقال وتشير إلي عوامل التقدير والثناء من الامور الحيوية بالنسبة للكثير من الموظفين خاصة في مصر والدول الشرقية بل أهم من الراتب والمخصصات احياناً وتؤكد علي أن الشركات التي لا تفتح الطرق أمام مستخدميها وتفشل في تشجيعهم وترقيتهم من الداخل تخسر لصالح المؤسسات التي تفعل ذلك، خصوصاً في سوق عمل قوية ينتهز المنافسون اقتناص الموظفين الموهوبين بأي ثمن وهو ما يظهر بقوة في حالة وجود نشاط في سوق العمل، كما حدث في بداية التسعينيات بعد انتهاء حرب الخليج الثانية 1991 ودخول استثمارات اجنبية كثيرة في مصر وبروز دور وأهمية مجالات متعددة خصوصاً في مجالات مثل تقنية المعلومات والشئون المالية والطب، وتشير إلي ارتفاع المؤشرات حول ظاهرة الانتقال من وظيفة إلي أخري .
 
ويقول شريف سامي رئيس شركتي سكيل لينك وسكيل ريت للتوظيف الامثلة الحية تشير إلي وجود أكثر من سبب وراء انتقال الموظفين مثل الحصول علي فرص للترقية ويظهر في ترك شخص مركز مرموق في شركة كبيرة وربما تكون عالمية للعمل بشركة أخري ربما تكون أقل تكون فرصته في التدرج الوظيفي بها سريعة وربما ينتقل كرئيس لمجلس الادارة أو عضو منتدب وهو ما تؤكد عليه شيرين حبيشة رئيس قسم التوظيف بشركة إتش أر فرست للموارد البشرية ويظهر بقوة في قطاع الصناعة عموماً وفي شركات الادوية والسيارات والسجاد وهي مواقع ترتبط بعوامل انتاجية ضخمة وتوسعات في خطوط الانتاج والتوزيع تحتاج معه إلي صف من الكوادر المتخصصة لمساعدة في توسيع نشاط الشركات وتحمل المسئوليات الجديدة مما يجعل مؤشر الترقي في تلك المجالات كبيراً وسريعاً أمام الموظفين صغار السن ويشير شريف سامي إلي عامل آخر مهم وهو رغبة الكثير من العاملين في الترقي للحصول علي مزيد من سلطات اتخاذ القرار وخاصة للانتقال إلي المجال الحكومي خاصة في ترك رؤساء مؤسسات اقتصادية خاصة مراكزهم القيادية للالتحاق بالجهاز الحكومي كوزراء أو رؤساء بنوك كما حدث في التغييرات الاخرية بقطاع البنوك وانتقال الدكتور فاروق العقدة لرئاسة البنك الاهلي رغم أنه كان يشغل منصب العضو المنتدب للشركة العربية الدولية للتأجير التمويلي «انكوليس» منذ تأسيسها عام 1997 إلا أنه تخلي عن المنصب عقب اختياره رئيساً للبنك الاهلي، وأيضاً محمد بركات رئيس بنك مصر وهي أمور لا يري شريف سامي أنها تثير تحفظات أو تساؤلات حول اسباب قبولهم المنصب الجديد الذي بلا شك سيضيف إليهم بقدر إضافتهم له وهي أمثلة يؤكد علي حدوثها في الخارج وتطوع كثير من رجال الاعمال لرئاسة مدينة كما حدث في مدينة نيويورك التي تولي رئاستها المليونير الشهير بلومبرج صاحب المؤسسات الاعلامية الضخمة .
 
أو ربما يكون انتقال الموظف من منصب إلي آخر كما تقول الدكتورة حبيبة أحمد راجعاً لرغبته في الاحتكاك بشركات أكبر من العملاء المحدودين في موقعه الحالي واكتساب خبرة تحسن من مستواه الوظيفي ويظهر ذلك لدي الموظفين الطموحين في الحصول علي فرصة أفضل في الشركات العالمية في مصر رغم وجود عروض أمامه في الشركات المحلية للتعيين مقابل مرتبات مرتفعة لكنه يفضل العالمية للخبرة والاحتكاك بالتجارب الناجحة، لكنها تشير إلي شيوع ذلك في الشركات الامريكية والاوروبية مع وجود هبوط ملحوظ في مصر في هذا المجال حيث لا تساعد الظروف وحالة الركود الاقتصادي الحالي علي  انتقال الموظفين بين الشركات بل العكس اصبح الحرص والاحتفاظ بالوظيفة سمة غالبة مع قلة الوظائف المعروضة وتشير حبيبة أحمد إلي التجارب الكثيرة للعاملين في مشروعات المعونة الامريكية منذ سنوات فرغم تمتعهم بالكفاءة والمؤهلات العالية انعكست حالة الركود علي انشطة الشركات التي يعملون بها بشكل أجبرهم علي ترك وظائفهم نتيجة تقليص حجم النشاط وإغلاق الكثير منها أبوابها مثلما حدث في شركة K&M المتخصصة في الاعمال الهندسية والتي كانت تعمل بها واضطرار جميع العاملين بها إلي ترك العمل بعد تصفيتها منذ فترة قصيرة، وقبولهم وظائف أقل بكثير من مؤهلاتهم وقدراتهم رغم أنهم انتقلوا عند بداية تأسيس الشركة في أوائل التسعينيات من شركات كبري .
ويشير شريف سامي إلي رغبة الشخص في ترك بصمة في الموقع الذي يتولاه في المؤسسة رغم أن قدراته المهنية والمالية ترشحه في العمل بالشركات الكبري لكنه يري تأثيره في المكان الجديد أهم ويشير إلي تجربة شريف رأفت رئيس البورصة السابق حيث فضل منذ سنوات ترك الشركات التي يترأسها كونكورد وإم أي سي جروب لترويج وتقييم وتحليل الأوراق المالية ليتولي رئاسة البورصة لرغبته في تسجيل رئاسته للبورصة في سجل سيرته الذاتية خاصة والجميع كان يدرك أنه ليس في احتياج مادي لرئاسة البورصة في ذلك الوقت .
 
ويلمس شريف سامي حقيقة ملحوظة في سوق العمل المحلي ترتبط باختلاف دوافع الاناث والذكور في التنقل بين الوظائف ويشير إلي أن الدافع المادي علي وجه التحديد لا يلعب دوراً فعالاً لدي الاناث عن الذكور، فالالفة الاجتماعية وبيئة العمل والراحة والانسجام في التعامل مع الموظفين والادارة العليا يساعدهن علي الاستقرار وعدم التفكير في ترك المكان لبديل آخر، علي العكس من ذلك يميل الشباب إلي تغير فرصة العمل في حالة وجود فارق مادي نسبي بدافع تحسين ظروف الحياة علي عكس ذلك في المستويات الادارية العليا فمعدل تغيير الوظائف منخفض ولا يحدث الا في حالة وجود فروق كبيرة في الاجور لا تقل عن %30 أو %40 عن المرتب الحالي بما يغري الشخص علي ترك وظيفته والانتقال لوظيفة جديدة ولو كانت ذات مخاطر عالية بالنسبة للامتيازات والاستقرار الذي يحتاجه .
 
ورغم ذلك يعترف خبراء الموارد البشرية بأن المال ووفرة المعروض من الوظائف يكون دافعاً قوياً للموظفين للانتقال إلي وظيفة في بعض المجالات مثل خريجي كليات التجارة والاقتصاد حيث توجد خمس وظائف مرتبة ومتنوعة لكل مرشح واحد، فإن المال هو الفيصل في اختيار  العمل كما تشير شيرين حبيشة رئيس قسم التوظيف بشركة إتش أر فرست للموارد البشرية إن المحاسبين والمراجعين تجذبهم مؤسسات أخري بزيادات في الراتب تصل إلي %25، لكنهم سرعان ما يتطلعون لأكثر من ذلك، ولذلك نجدهم يتنقلون كثيراً وأحياناً يغيرون مكان عملهم كل ستة أشهر، وتشير حبيبة أحمد إلي أن مجال الادارة والموارد البشرية هو الاكثر طلباً في مصر وتغير في ظل حاجة السوق إلي تخصصاتهم وبأجور مرتفعة قياساً إلي بقية الوظائف الاخري، تضرب مثلاً علي ذلك بأعضاء الجمعية المصرية لإدارة الموارد البشرية ففي كل اجتماع تجد أن كروتهم الشخصية مختلفة عن السابق، بينما يري شريف سامي أن المحللين الماليين والمضاربين في البورصة هم الاكثر تغييراً وانتقالاً بين الشركات كما حدث في شركات الأوراق المالية في منتصف التسعينيات وعمليات الخطف المتبادل واقناع الموظفين بالانتقال إليها مقابل مبالغ مالية فلكية تجاوزت عشرات الآلاف في ذلك الوقت أو مثلما يحدث في انتقال طواقم عمل كاملة من ماري لينش إلي مورجان ستانلي أو العكس كما تؤكد شيرين حبيشة أن ارتفاع معدل تغيير الوظيفة عن متوسط 4 أو 5 سنوات في مصر يمثل مشكلة أمام شركات الموارد البشرية في تسويق هؤلاء لدي الشركات المصرية المحكومة حتي الآن بنظرة خوف من ارتفاع معدل التغيير وبشكل قد يمثل مشكلة أمام هؤلاء الموظفين في الالتحاق بشركات كبيرة بالنظر إلي ارتفاع معدل تغيير الوظائف في السيرة الذاتية الخاصة بهم بشكل لا يشجع أي شخص علي تعيينه تخوفاً من حقيقية أنه إذا كان المال هو الدافع الوحيد الذي يجعله يغير مكان عمله فإنه يمثل مخاطرة بالنسبة للشركة لأن أي مستخدم آخر أكثر ثراء يستطيع جذبه وإغراءه رغم اعتراض ضياء الدين حلمي مدير المشروعات بشركة توب بيزنيس العاملة في استشارات الموارد البشرية علي ذلك وتأكيده علي أن العقلية الادارية في الدول العربية حتي الآن غير قادرة علي ادارك أهمية النظر إلي سمات ومؤهلات الشخص بطريقة مجردة عن هذا العامل طالما لا يؤثر علي كفاءته في تأدية العمل بالطريقة السليمة ويشير إلي تجربته الخاصة في الولايات المتحدة وعدم تدقيق شركات التوظيف الامريكية بالصورة الموجودة في مصر علي قياس معدل انتقال الموظف بين أكثر من توظيف خلال مدة قصيرة طالما أن شروط الوظيفة تنطبق علي الشخص الذي يسعي بالتأكيد إلي تحسين حياته العملية والخاصة وهو ما يجعله يتساءل عما إذا كان الامريكان علي خطأ أم هناك حقائق غائبة عن ذهن كثير من أصحاب الشركات المصرية حول تفهم اسباب انتقال الموظفين وتغيير الوظيفة؟
 
وتهون حبيبة أحمد من حدة تلك الازمة بالتأكيد علي أن السوق المصري يتأخر عن نظيره الامريكي بعشر سنوات في استيعاب المتغيرات المرتبطة بالتوظيف وعلي رأسها انتقال الموظفين بين المؤسسات وتدلل علي ذلك ببداية التسعينيات وما شهدته من نشاط محموم في عمليات انتقال الموظفين بين الشركات الصناعية والاقتصادية نتيجة دخول استثمارات عالمية للسوق المصري وما صاحبه من تغيير في أنظمة إدارة الشركات والمنظمات لتتفق مع تقبل انتقال الموظفين واعتباره عملية طبيعية تهدف للحصول علي أجر مناسب وفرصة أفضل بل علي العكس تشير شيرين حبيشة مدير التوظيف بشركة اتش أر فرست للموارد البشرية أن انتقال الموظفين يتيح فرصة للأخرين في الترقي كما أجبر الشركات علي وضع برامج تدريب متميزة للعاملين بها لسد العجز في المهام والمسئوليات في حالة انتقال احد كوادرها إلي مكان أخر ويشدد شريف سامي علي ضرورة تفهم أن السبب الرئيسي وراء تغيير الوظيفة يرجع غالباً إلي عدم مواءمة طرف من اطراف العمل لمتطلبات الآجر المادية والمعنوية ويقول ضياء الدين حلمي إن نجاح الشركة في تقليل انتقالات الموظفين بها ينبغي أن يقوم علي الاستحقاق المتبادل في الحقوق والواجبات بحيث لا ترتكز العلاقة بين الجانبين علي عوامل شخصية كالود والعشرة أو طول مدة الخدمة فالشخص مهما تكن درجته الوظيفية لديه شعور بأنه مسئول عن تأمين حياته العملية والشخصية ويدرك بقوة أن العالم يتغير وأن عليه أن يعد نفسه للمستقبل عن طريق فرصة عمل أفضل حتي و لو ارتبطت بمزيد من المسئولية والعلاقات المتكافئة والتدريب وتشير حبيبة أحمد أن أغلب الموظفين الذي ينتقلون بين الوظائف يفضلون المؤسسات الكبيرة ذات التنظيم الرأسي ويوجد بها فرصة تدريب تساعدهم علي تطوير قدراتهم وامكانياتهم وليشعروا بأنهم جاهزون للانتقال للمستوي التالي ليس فقط من حيث مسمي الوظيفة بل من منظور التطور الداخلي،  فالموظف المحترف يدرك أنه عليه استثمار نفسه والحصول علي مكاسب اخري بخلاف المال .
 
وتقول شيرين حبيشة إن التزام كل طرف نحو الطرف الأخر وقيام الإدارة بأداء ذلك الالتزام في وقت مبكر والاسراع بتعيين الكفاءات يقلل من معدل انتقال موظفيه للمنافسين، خاصة وأنه بمجرد أن يتسلم الموظف عمله وجب علي الشركة الوفاء بما وعدت به من قبل وذلك يتطلب منها أن تكون علي اتصال منتظم بالموظفين للتأكد من أنهم يحصلون علي ما وعدوا به في مرحلة التعيين وتشير إلي وجود حكمة بليغة في علم الادارة تؤكد علي أنه إذا لم يكن الناس سعداء برؤية ضوء في نهاية النفق، فإنك لن تستطيع تحريكهم بالتلويح بالمال أمام عيونهم .
 
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الأحد, 4 مايو 03