الاتحاد الأوروبي‮ ‬يبحث عن آلية للتنبؤ بالأزمات المالية

الاتحاد الأوروبي‮ ‬يبحث عن آلية للتنبؤ بالأزمات المالية
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الثلاثاء, 22 يناير 08

: خالد بدر الدين
 
مع تزايد ضغوط أزمة الائتمان العالمية علي المؤسسات المالية في كبري دول العالم فإن ساسة أوروبا وواضعي قواعدها التنظيمية يطرحون أفكارا مختلفة عن كيفية الاستعداد لمواجهة أي أزمة قادمة.

 
وقد طالب مؤخرا تشارلي ماكجريفي مفوض الأسواق الأوروبية بتشكيل فرق من المراقبين في الدول المختلفة لتبادل المعلومات وبحث المخاطر وتنسيق سياسات البنوك العالمية. بينما يري ساسة فرنسا وإيطاليا أنه من الأفضل تأسيس هيئة تنظيمية لجميع دول أوروبا لديها صلاحية الإشراف علي البنوك والأسواق الأوروبية، في حين تطالب وزارة الخزانة البريطانية بالمزيد من التعاون بين صندوق النقد الدولي ومنتدي الاستقرار المالي الذي يتخذ من سويسرا مقراً له.
 
وتريد هيئة الخدمات المالية المنظمة للسوق المالية البريطانية إنشاء قواعد جديدة تحكم كيفية تأكد البنوك ذات التعاملات العالمية من وجود سيولة نقدية لديها تكفي لمواجهة أي أزمة مالية تطرأ علي العالم.
 
ويبدو أن منظمي البنوك الأوروبية مثل نظرائهم الأمريكيين ليست لديهم الأدوات اللازمة لمواجهة الأزمة المالية العالمية التي راح ضحيتها الكثيرون في دول أوروبا لأنها لا تستطيع التحكم في الأسواق خارج حدودها وهذا عيب خطير في عالم تعمل فيه الآن معظم البنوك الكبيرة حول العالم.
 
والآن مع تزايد الخسائر من أزمة الرهن العقاري وتدهور توقعات البنوك فإن بعض المسئولين في مختلف دول أوروبا يطالبون بنظم وآليات تحذير مبكر من مثل هذه الأزمات وابتكار الأدوات اللازمة للتنسيق في حالة وقوع أي أزمة مثل انهيار بنك ضخم له تعاملات متعددة الجنسيات.
 
وفي الاجتماع الذي حضره مؤخراً في باريس اليستير دارلنج وزير المالية البريطاني مع نظرائه من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا لم تتضح هذه الآليات ولكن كانت هناك دعوة لصندوق النقد الدولي ومنتدي الاستقرار المالي لوضع نظام تحذير مبكر وخريطة واضحة للعلاقات المالية بين الدول، والمخاطر المحتملة التي قد تواجهها عند وقوع أي أزمة.
 
ويأمل اليستير دارلنج أن تلقي دعوته تأييداً كاملا قبل اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع الكبار خلال الشهر القادم، ولاسيما أن تشارلي ماكجريفي قد وصف النظام الحالي بأنه »موضة قديمة« ولم يعد قادرا علي التعامل مع الظروف الاقتصادية الحالية والأزمات الراهنة.
 
وإذا كان هناك العديد من كبار المسئولين الحكوميين في 27 دولة يشرفون علي بنوكها المركزية إلا أن مسئولياتهم عادة قاصرة علي تحذير القوة المالية للبنوك الأجنبية التي لها تعاملات في بلادهم بسبب عدم المشاركة الواضحة في المعلومات فيما بينهم عن الشركات التي تعمل فيما بين الحدود القومية ولا يدركون دائما المخاطر المحتمل أن تؤثر عليهم ويبذولون جهودا مضنية عند التعاون لحل المشاكل الطارئة.
 
وهناك 172 مذكرة تفاهم تناقلها المسئولون الأوروبيون ولكن فرانسيس هيدسون الخبير الاستراتيجي في مؤسسة »ستاندر لايف انفستمنت« في ادنبرج باسكوتلندا يقول إن أوروبا ليست مجهزة بالآليات اللازمة لمواجهة أي أزمة مالية عالمية.
 
وكان بنك »نورثرن روك/ بي. إن . سي« الذي يعمل في بريطانيا منذ أكثر من قرن ومنح أكبر قدر من القروض للرهن العقاري قد تعرض لأزمة مالية في سبتمبر الماضي لعدم قدرته علي التحكم في الأزمة المالية التي وقعت خارج حدود بلاده.
 
كما أن هيئة الخدمات المالية المنظمة للسوق المالية البريطانية لم تحذره من أي مخاطر تتعرض لها قروضه في الخارج ولم تتوقع حتي حدوث مثل هذه الأزمة.
 
ولعل انهيار البنكين الألمانيين »ساشنلب« في ساكسونيا و»آي. كي. بي ديوتس« الصناعي في دسلدورف يوضع مدي تفاقم الأزمة المالية وانتقالها إلي مختلف الدول حيث تعرض هذان البنكان لخسائر فادحة بسبب الصناديق المتخصصة التي أسسها في أيرلندا.
 
ولم يتوقع الخبراء الألمان ولا الإيرلنديون أي مخطر من استثمار هذه الصناديق في الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري الأمريكي.. كما أن الكثير من الأمريكان في ولايتي أوكلاند وكاليفورنيا استثمروا أموالهم في بنك »آي كي بي ديوتش« الصناعي.
 
وتقول متحدثة رسمية بهيئة تنظيم سوق المال الإيرلندية إن مثل هذه الصناديق المتخصصة من أجل المستثمرين ذوي الخبرة فقط ولكن متحدث رسمي في هيئة أسواق المال الألمانية يري أن مثل هذه الأزمات تتطلب حلولاً عالمية.
 
وكانت المتاعب المالية التي تعرض لها بنك »نورثرن روك« قد أثرت بشدة علي البنوك في مختلف دول أوروبا بسبب إثارتها لبعض الاضطرابات في سوق سندات التغطية البريطانية التي تعادل الأوراق المالية الأمريكية التي تساند الرهن العقاري وتعتمد عليها الكثير من البنوك في التمويل.
 
وكانت أزمة هذا البنك ستتفاقم أكثر لو تم أخذ ودائع من عملاء خارج بريطانيا وايرلندا ويؤكد المفوض الأوروبي تشارلي ماكجريفي أن المسئولين الأوروبيين ليست لديهم سياسة لمواجهة مثل هذه المواقف ولا حتي الإجراءات الواجب اتباعها لحل هذه المشاكل. ويجب توفير تحذيرات للمودعين في الوقت المناسب.
 
ولكن الضغوط المالية التي تتعرض لها البنوك الأوروبية حاليا جاءت أساسها من تضخم عمليات القروض التي نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الاستثمارات المعقدة في الرهن العقاري التي نشأت معظمها في البنوك الأمريكية.
 
وإذا كان بنكا »سيتي جروب« و»ميريل لينسن« قد اندفعا نحو استثمارات من دول الشرق الأوسط والدول الآسيوية لتدعيم موقفهما المالي فإن الخدمات المالية التي يقدمانها لدول الاتحاد الأوروبي لم تكن لها الفوائد المطلوبة للمسئولين الأوروبيين والشركاء في الأسواق المالية.
 
ويقول كيث كلارك -كبير مكتب الاستشارات الدولية- في »مورجان ستانلي« إن الأسواق العالمية هي الحل للقضاء علي الأزمة المالية ويجب تنظيم جهود أوروبا وجهود الولايات المتحدة الأمريكية مع جهود هونج كونج لأن معظم البنوك الأوروبية الكبري تنفذ جزءاً كبيراً من تعاملاتها خارج أوطانها فعلي سبيل المثال يحقق بنك »ديوتس إيه جي« %70 من إيراداته من خارج ألمانيا.
 
وإذا كانت لجنة منظمي الأوراق المالية الأوروبية تمثل الحارس علي الأسواق المالية الأوروبية ويجتمع رؤساؤها لكل ثلاثة أشهر علي الأقل لمناقشة التغيرات العريضة في السياسة التنظيمية إلا أن تشارلي ماكجريفي يري أنه يفضل تكوين فريق عمل يتكون من مراقبين من كل الدول التي يوجد للبنوك الأوروبية تعاملات فيها حتي يتسني بحث المخاطر وتنسيق السياسات والمشاركة في المعلومات وتوفير التحذيرات المبكرة سواء البنوك أو الشركات أو المواطنين.
 
ومثل هذه الآلية تستطيع مثلا المساعدة في إيجاد حل لأزمة الائتمان في أوروبا بوضع ارشادات عامة تنصح البنوك لكيفية الاعلان عن خسائرها في استثمارات الرهن العقاري بدلا من المواقف المحرجة التي تتعرض لها البنوك كما حدث مع بنك »يو بي إس إيه جي« الذي أعلن ببرود مؤخرا وجود خسائر أخري قدرها 10 مليارات دولار بسبب انهيار اسعار العقارات.
 
ولكن الفكرة التي طرحها تشارلي ما كجريفي تواجه بعض العقبات منها أن وزراء المالية الاوروبيين لن يبحثوا خطته إلا في نهاية هذاذ الشهر أو الشهر القادم كما ان صناع السياسة الاوروبية لديهم أفكار أخري بزعامة توماسو بادوا سكيوبا وزير المالية الايطالي الذي يريد وضع معايير أوروبية عامة للإشراف علي المؤسسات المالية وإنشاء هيئة تنظيمية لجميع دول أوروبا.
 
ولكن بعض الدول ومنها بريطانيا وألمانيا وفنلندا تعارض هذه الفكرة بزعم أن سياسة واحدة تناسب الجميع هي اسلوب لن يحقق النجاح لجميع الدول لأن كل دولة لها ظروفها الخاصة فمثلا بريطانيا تتخذ حاليا اجراءات خاصة بها لتقوية قواعدها التنظيمية بسب ازمة الائتمان وتعتزم ايضا وزارة الخزانة البريطانية منح هيئة الخدمات المالية صلاحية أكثر اعتبارا من مايو القادم تساعدها علي طلب المعلومات من البنوك والتحكم في ودائعها عندما تتعرض لأي متاعب مالية بطريقة تشبه الصلاحيات التي تحظي بها المؤسسة الفيدرالية للتأمين علي الودائع في الولايات المتحدة الامريكية كما ان هيئة الخدمات المالية تطالب بقواعد عالمية جديدة.
 
وطالب تشارلي ماكجريفي ايضا من لجنة منظمي الاوراق المالية الاوروبية بحث دور شركات تحديد التقييم الائتمائي والتي بالغت في تقليل مخاطر استثمارات الرهن العقاري المركبة والواقعة حاليا في وسط الازمة المالية العالمية.
 
وبناء علي تقرير هذه اللجنة والمتوقع صدوره بداية الربيع يمكن للاتحاد الأوروبي ان يزيد من سلطته الاشرافية ومنها تطبيق قواعد جديدة علي ممارسة عمل الشركات في تحديد الاسعار الائتمانية ولكن ما مدي صلاحية هذه القواعد اذا كانت هذه الشركات مقرها اساسا الولايات المتحدة الامريكية والاوراق المالية التي تحدد قيمتها نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا السؤال مازال في حاجة الي حل!
جريدة المال

المال - خاص

10:26 ص, الثلاثاء, 22 يناير 08