يحاول الايرلنديون التخفيف عن إحباطهم وسط الأزمة المالية الطاحنة التى تعصف ببلادهم عن طريق الفن الساخر، ما يتضح من الاقبال الكثيف على تذاكر مسرحية «انجلو » الغنائية للعرائس المتحركة – والتى تسخر من مديرى البنوك والمسئولين الحكوميين الذين كانو الأكثر استفادة من عقد الازدهار الاقتصادى فى ايرلندا والمتسببين فى اندلاع أزمة كبرى بالقطاع المصرفى .
«لأن كل ما تحتاجه هو بعض العرائس المتحركة لتدمير بلد بأكملها » ، شعارا ترويجيا استخدمه القائمون على العمل المسرحى المنتظر عرضه فى نوفمبر المقبل، فى إشارة إلى هؤلاء الذين تسببوا فى اندلاع الأزمة وأساءوا إدارتها مما حمل غالبية السكان فاتورة التقشف من أجل احتواء الدين العام وعجز الموازنة المتضخم الذى تسببت فيه حزم انقاذ البنوك الايرلندية .
وتجسد العرائس المتحركة شخصيات مثل رئيس بنك أنجلو ايرش السابق شون فيتزباتريك – أحد أبرز الأسماء فى أزمة القطاع المصرفى – ورئيسا الوزراء الايرلنديين السابقين بيرتى أهيرن وبريان كوين . والمستشارة الالمانية انجيلا ميركل، فى إشارة إلى الانطباع السائد بأن دبلن – عاصمة ايرلندا – تدار من برلين منذ التدخل لانقاذها ماليا فى نوفمبر 2010.
وفى تقريرها عن العمل المسرحى، تقول صحيفة الفينانشيال تايمز إن أحداث انهيار بنك وتكبد دافعى الضرائب أكثر من 30 مليار يورو لانقاذه – فى إشارة إلى بنك أنجلو ايرش – تصلح كتراجيديا يونانية أكثر منها مسرحية غنائية كوميدية .
ويجسد بنك أنجلو ايرش أكثر النماذج وضوحا لسياسات تعظيم الارباح دونما أى مراعاة لعوامل الآمان . فقد استطاع فيتزباتريك ومساعداه تحويله من بنك تجارى صغير الى بنك كبير ومطور عقارى مهم له استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات فى ايرلندا وبريطانيا وأماكن أخرى، مستفيدا من الفقاعة العقارية التى تكونت على نحو مشابه لما حدث فى الولايات المتحدة وانفجرت فى وجه الجميع بعد ذلك .
لم يتوقع كثيرون أن تكون نهاية عقد الازدهار الاقتصادى فى ايرلندا بهذه التراجيديا . فقد تمتعت ايرلندا طوال الفترة من 1995 وحتى 2007 بمعدلات نمو بلغت فى المتوسط 6 %. إلا أن الانهيار كان أسرع وأكبر من أى توقعات لدرجة جعلت صحيفة ايرش تايمز تشبهه بحادث غرق سفينة تايتانك التى اصطدمت فجأة بجبل جليدى بأقصى سرعة .
فبعد اندلاع الأزمة المالية، سجل الاقتصاد الايرلندى انكماشا بحوالى 3 % فى 2008 و 7 % فى 2009 وانهارت سوق العقارات والانشاءات وتعثر القطاع المصرفى .
تبع هذا تدخل الحكومة لإنقاذ القطاع المصرفى وشراء أصول العديد من البنوك، لتتكبد أيرلندا أكبر تكلفة لإنقاذ البنوك بين الدول المتقدمة منذ فترة الكساد العظيم من حيث التكلفة المالية لحزم الانقاذ وتأثيرها على رفع مستوى الدين العام وخسائر الناتج المحلى الإجمالى، وفقا لورقة بحثية صادرة عن صندوق النقد الدولى .
فقد ضخت ايرلندا حوالى 62 مليار يورو فى قطاعها المصرفى منذ اندلاع الأزمة فى 2008 ، لتصل التكلفة المالية للأزمة (تشمل اعادة رسملة البنوك وشراء الأصول المتعثرة ) حوالى 41 % من الناتج المحلى الإجمالى .
تسببت حزم انقاذ البنوك فى رفع مستوى الدين العام إلى 105 % من الناتج المحلى الإجمالى فى 2011 وتضخم العجز إلى حوالى 32 % من الناتج الإجمالى فى 2010 ، الأعلى على مستوى العالم .
وبعد حالة الانفلات المالى التى باتت تواجه ايرلندا، شرعت الحكومة فى إقرار سلسلة من الموازنات التقشفية، شملت تسريحًا للعمال وخفضًا وتجميدًا للرواتب وخفض نفقات الرعاية الاجتماعية وزيادة الضرائب، لتتحمل القاعدة العريضة من السكان فاتورة الأزمة وعبء تمويل حزم انقاذ البنوك من جيوبهم الخاصة .
وجد الايرلنديون أنفسهم مضطرين لتحمل تبعات أزمة صنعها حفنة من مضاربين ورجال بنوك كانوا الأكثر استفادة من أعوام الازدهار . فثمار النمو الاقتصادى لم توزع بتساوٍ بين السكان، ما جعل ايرلندا تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة فى تقرير للامم المتحدة 2004 يقيس عدم عدالة توزيع الثروة فى الدول الغربية .
ولعل الانطباع العام بعدم خضوع أى من المتسببين فى الأزمة للمحاسبة هو ما يولد الاحباط لدى العديد من الايرلنديين، بحسب سايمون كارزويل، مؤلف كتاب يحمل اسم «داخل البنك الذى أفلس ايرلندا ».
لم يجد الايرلنديون – الذى ارتفع معدل البطالة بينهم إلى حوالى 14.8 % – مفرًا فى محنتهم سوى الفن الساخر، الذى يراه بول هوارد مؤلف مسرحية «انجلو » نوعًا من العلاج يخفف عن المواطنين وطأة الأزمة .