كان وضع الاقتصاد الألماني أحد أهم الأوراق التي ركز عليها قادة مجموعة العشرين في اجتماعهم الأخير، نظراً لمدي تدهور أكبر اقتصاد في أوروبا الذي يعتمد بدرجة كبيرة علي التصدير.. الأمر الذي جعل المانيا تعاني بشدة، نتيجة انحسار الطلب العالمي.
ويتوقع ايرشاستاك، المدير التنفيذي لميناء »ديسبرجرهافن« انخفاض الصادرات الألمانية بنسبة %25 هذا العام.
والمعروف أن ميناء »ديسبرج«الذي يعتمد علي تجارة الصلب والفحم كان من أكثر المدن الألمانية تضرراً وقت الكساد العظيم، الذي ساد العالم بعد انهيار »وول ستريت« عام 1929.
ويعاني ميناء ديسبرج حالياً من الازمة العالمية مثلما يعاني بقية الاقتصاد الالماني، فوفقاً لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإن الناتج المحلي الإجمالي في المانيا سينكمش بمقدار %5.3 هذا العام لتكون بذلك اسوأ من توقعات المنظمة لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا والتي قد تنكمش هذا العام بمعدلات %4 و%3.7 لكل دولة علي التوالي.
وتأتي توقعات جورج كارمير الخبير الاقتصادي لدي بنك »كوميرس« ثاني أكبر بنك في المانيا- أكثر تشاؤماً حيث يرجع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو %7 هذا العام.
وارتفعت معدلات البطالة في المانيا من %7.6 في سبتمبر 2008 إلي %8.1 في مارس 2009.
وعبرت المستشارة الالمانية »انجيل ميركل« عن قلقها من ازدياد معدلات البطالة نظراً لتأثيرها علي استهلاك الافراد، والذين يزداد معدل ادخارهم إثر المخاوف من فقدانهم وظائفهم. وهو ما جعل قضية البطالة أولي أولويات الحكومة الالمانية. ويتزايد اهتمام الساسة الالمان بقضية البطالة مع اقتراب موعد الانتخابات في سبتمبر المقبل خوفا من ازدياد سخط الناخبين.
وبالعودة إلي عام 2005 سنجد مدي تأثير قرارات المستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر فيما يخص إعادة هيكلة وإصلاح قطاع العمالة، مما رفع أعداد العاطلين وقتها إلي 5 ملايين عاطل حيث يعتقد المحللون أن شرودر فقد منصبه بعد هزيمته في الانتخابات نتيجة ارتفاع معدل البطالة.
وقد حرصت الحكومة الألمانية الحالية علي مواجهة مخاطر ارتفاع البطالة عبر تطبيق برامج لدعم الشركات التي تعتمد برامج تقليل ساعات العمل دون تسريح العمال.. إلا أنه من المبكر جداً -علي حد قول ميركل- أن ندرك مدي تأثير هذه البرامج في الحد من معدلات البطالة.
ويري المدير التنفيذي لميناء ديسبرج أن الركود الاقتصادي في المانيا ربما يستمر لفترة طويلة،نظرا لصعوبة تحويل دفة الاقتصاد من الاعتماد بشكل كبير علي التصدير للخارج الي التوسع في الاستهلاك محلياً.
وأصبحت المانيا فريسة سهلة للانهيار الاقتصادي، خاصة أن صادراتها شكلت نحو %47 من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي مقارنة بأقل من %20 لليابان وحوالي %13 للولايات المتحدة.
وتعتمد القاعدة الصناعية لألمانيا علي الماكينات والمعدات التي تشكل نحو %40 من صادراتها المتجهة بشكل أساسي نحو شرق أوروبا والصين.
وعندما كانت الأزمة في الولايات المتحدة تتركز في قطاع الإسكان وأسواق الأوراق المالية لم تتأثر المانيا.. لكن بعد انهيار بنك ليمان براذرز وانتقال التداعيات السلبية لهذا الانهيار إلي البنوك في ظل انخفاض الثقة عالميا حول مدي قوة المؤسسات المالية هو ما دفع الشركات لتقليص حجم خططها الاستثمارية ليؤثر كل ذلك علي حجم الطلب عالمياً خاصة علي المنتجات الالمانية.
فقد انخفض الطلب الخارجي علي المنتجات الألمانية بما يقارب النصف، كما تراجع الإنتاج الصناعي بنسبة %20 في يناير العام الحالي مقارنة بيناير 2008.
وتتوقع رابطة المصدرين الألمان BGA انخفاض الصادرات بنسبة %15 هذا العام.
وكانت ألمانيا بعد سقوط حائط برلين في 1989 تكافح من أجل الحفاظ علي الموازنة المالية في ظل ارتفاع تكلفة إعادة توحيد المانيا، بعدها بـ10 سنوات دخلت الاتحاد الأوروبي والتي يعتبرها المحللون خطة مثلت تعدياً لألمانيا، خاصة في ظل ارتفاع العملة الألمانية مقابل »الأوروبية« وهو ما جعلها تعاني من صعوبات في التصدير وتباطؤ في النمو مع بداية انضمامها للاتحاد.
إلا أن المانيا استطاعت من خلال إعادة هيكلة شركاتها وتجميد رواتب العمال تسريع نموها الصناعي لتتنافس عالميا في مجال التصدير.
وكان نمو المانيا في 2006 يبلغ %3وهو أعلي بقليل من النمو في منطقة اليورو بنسبة %2.9.
والنمو في الولايات المتحدة بنسبة %2.8، ويعتبر النمو الذي حققته المانيا انجازاً كبيراً، خاصة انها كانت طوال عقد كامل في مؤخرة السباق الصناعي بمنطقة اليورو والولايات المتحدة.
ويري جوستاف هورت، الخبير بمؤسسة »هانز بكلير« للأبحاث أن اعتماد المانيا علي الصادرات كان دائما علي حساب الطلب المحلي، فقد كانت المانيا تحقق ازدهاراً في التصنيع والتصدير علي حساب حرمان العمال من زيادات في أجورهم.
ويضيف أنه لا أمل في خروج المانيا من الازمة دون توسيع السياسة المالية لتحفيز الطلب المحلي علي أمل أن يعوض ذلك تراجع الطلب العالمي.
ويتوقع جوستاف أن تدخل المانيا في ركود هذا العام بعد الانخفاض الحاد في ناتجها المحلي الإجمالي ما لم تتدخل الحكومة بشكل مباشر بخطط تحفيزية للاقتصاد.
وتبلغ ديون الحكومة الالمانية نحو ثلثي الناتج المحلي الالماني،وتدافع ميركل عن سياستها التحفيزية خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات في سبتمبر من خلال تصريحاتها لصحيفة »فاينانشيال تايمز« والتي ذكرت من خلالها أن حجم المال الذي أنفقته الحكومة لإنعاش الطلب يساوي نحو %4.7 من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يجعل المانيا من أكثر الدول التي تنفقدعماً للاقتصاد الدولي.
وتزداد مخاوف برلين من مدي جدوي الأموال التي يتم انفاقها علي الاقتصاد في تحقيق الاستجابة المنشودة من الالمانيين بتشجيعهم علي الاستهلاك.
وقد عبر البنك المركزي الأوروبي عن احتمالية ان تقود مخاوف المستهلكين حول -الانفاق الحكومي الحالي والذي قد تجنيه الحكومة مرة أخري بضرائب باهظة في المستقبل- الي اتباع المستهلك سياسة ربط الحزام.
وتزداد المخاوف في الاوساط الالمانية من أن يؤدي تسهيل السياسات المالية، وضخ المزيد من الاموال في الاسواق الي حدوث تضخم، خاصة بعد أن خاضت المانيا تجربة تاريخية في الثلاثينيات من تضخم غير مسبوق.
وقد حذرت ميركل من مخاطر انتهاج كل من الولايات المتحدة وبريطانيا سياسات نقدية توسعية التي قد تؤدي الي حدوث تضخم بعد ذلك.