طالب عدد من العاملين في قطاع الحبوب بتسعير القمح قبل بداية الموسم الجديد، وأشاروا الي أن السبب الرئيسي وراء ارتفاع واردات مصر من القمح للعام الحالي، يرجع الي قرار الحكومة بعدم تسعير القمح قبل زراعته هذا الموسم، الأمر الذي أدي الي ارتفاع درجة المخاطرة لدي المزارعين، وبالتالي انخفاض حجم الانتاجية المتوقعة، وبالتالي انعكس ذلك علي الواردات بمزيد من الارتفاع.
وقد أكدت أحدث التقارير الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية أن واردات مصر من القمح سترتفع العام الحالي، نتيجة انخفاض المساحة المزروعة من الحبوب بشكل عام مع انخفاض أسعار الحبوب عالمياً، نتيجة الأزمة المالية، وتوقع التقرير أن تصل الواردات الي 8.325 مليون طن خلال العام المالي المقبل.
قال التقرير إن مصر تعتبر أكبر مستورد للقمح والحبوب علي مستوي العالم وسيرتفع حجم وارداتها الي حوالي 7.8 مليون طن خلال الموسم الحالي الذي ينتهي في 30 يونيو.
كما أظهر التقرير أن مصر بها واحد من أعلي معدلات استهلاك القمح للفرد في العالم، مشيراً الي أن المساحة المزروعة بالقمح في مصر انخفضت خلال العام المالي الحالي.
أكد الدكتور حمزة عبدالعليم، مستشار هيئة القمح الأمريكية، أن مصر تستورد ما يلزمها من القمح وفي حدود استهلاكها نتيجة عدم امكانية التخزين، مشيراً الي أن تقرير وزارة الزراعة الأمريكية يؤكد ارتفاع حجم الواردات، خاصة مع تزايد احتمالات انخفاض الانتاجية، نتيجة عدم تخصيص سعر شراء بالموسم الحالي.
قال عبدالعليم، إن الفلاح أو المستثمر يتخذ قرار زراعة القمح بناء علي السعر الذي تحدده الوزارة، ولابد من أن يضمن الفلاح أن يغطي هذا السعر تكاليف الزراعة من أسمدة ومبيدات وآلات وأيد عاملة مساعدة وغيرها من مستلزمات الزراعة مرتفعة التكاليف، رغماً عن الأزمة المالية العالمية.
وأضاف أنه من الأكثر جدوي أن تتجه الحكومة لشراء القمح من الفلاحين والمستثمرين المصريين بالسعر العالمي أو بزيادة عليه.
فرفع سعر الشراء المحلي عن العالمي سيشجع المزارعين علي معاودة زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، الأمر الذي يحقق الاستقرار علي الأجل الطويل، ويغني عن الاستيراد الخارجي.
وأشار عبدالعليم الي أن الحكومة قامت بإتلاف 500 فدان مزروعة بالقمح كان مقرراً حصادها الشهر المقبل بحجة أن هذه الأراضي مخصصة لمشروع »ابني بيتك«، وقال: من البداية وقبل الزراعة كان لابد وأن يتم تخصيص الأراضي الصالحة لزيادة انتاجية المحاصيل، والأراضي الصحراوية لبناء الوحدات السكنية، ولكن ما حدث يؤكد استمرار الحال علي ما هو عليه، وارتفاع الاستيراد الخارجي وزيادة عزوف الفلاح عن زراعة محصول لا يحقق له الأمان.
وتوقع عبد العليم ثبات أسعار القمح علي ما هي عليه، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية التي اطاحت بأسعار جميع المحاصيل الأساسية، والسلع الزراعية والمنتجات الصناعية.
وأكد علي شرف الدين، رئيس غرفة الحبوب باتحاد الصناعات أن مصر تفتقد الانتاج الجيد من القمح، مؤكداً صحة تقرير الوزارة الأمريكية فالوضع الحالي سيتحول الي أسوأ وسيعزف الفلاحون نهائياً عن زراعة القمح، الأمر الذي يبشر بانتهاء الانتاجية وليس انخفاضها!
كما أن سعر القمح المصري أصبح غير مجز للفلاح، وعدم تسعير الحكومة للقمح بالموسم الحالي،خفض من زراعته نتيجة توقعات الفلاحين بانخفاض سعر الشراء.
وقال شرف الدين إن النمط الاستهلاكي الداخلي وارتفاع معدلات الفقر ومستوي المعيشة ساهما في احتلال القمح والذرة الصدارة في قائمة الاستهلاك المصرية، الأمر الذي جعل مصر أكبر مستورد للقمح والحبوب في العالم، نتيجة عدم كفاية الانتاج الداخلي لتلبية احتياجات المواطنين وسداد الطلب المتزايد، خاصة مع ارتفاع معدلات المواليد.
وأضاف شرف الدين أن مصر بدأت تتجه الي استيراد القمح من دول الكتلة الشرقية سابقاً، مثل روسيا وكازاخستان، نظراً لانخفاض سعر القمح بتلك الدول مقارنة بالقمح الأمريكي ،بالاضافة الي اعتدال جودة القمح الروسي، وصلاحيته للاستخدام الداخلي، وهذه الميزات تجعل من الأكثر جدوي التوجه الي تلك الدول لتخفيض حجم التكاليف التي تتحملها الوزارة، مشيراً الي أن القمح الأوكراني متعدد الأنواع ما بين أصناف مرتفعة الجودة والسعر، وأصناف منخفضة الأسعار وكذلك الجودة، ويتوقف الاختيار علي قرار الدولة المستوردة.
وأشار شرف الدين الي أن انتاجية محصول القمح المتوقعة خلال الموسم المقبل ستتوقف علي سعر القمح الذي يجب أن تحدده الحكومة قبل الموسم، والا سيتحول الوضع الي أسوأ، وسيتدهور مستقبل القمح المصري، وتوقع أن تشهد أسعار القمح العالمية مزيداً من الارتفاع خلال العام الحالي، خاصة بعد ارتفاع أسعار الدولار واليورو.
وقال إن القمح الأمريكي يتميز بارتفع جودته وباحتوائه علي نسب مرتفعة من البروتين، ولكن مصر استوردت القمح من روسيا وأوكرانيا، مشيراً الي أن مصر تستهلك قمحاً بمعدل أكبر من الصين الشعبية، رغم كون الصين دولة رائدة في استهلاك الحبوب.
وتوقع التقرير مزيداً من الانخفاض في المساحة المزروعة خلال الموسم المقبل الذي يبدأ في 1 يوليو ليصل الي 1.223 مليون هكتار، وأضاف أن مصر استوردت من روسيا %54 من وارداتها من القمح، فيما انخفض نصيب القمح الأمريكي في الواردات المصرية وتغطي مصر باقي احتياجاتها من القمح الأوكراني وكندا، وانخفض نصيب السوق الأمريكية خلال السنوات الأخيرة بسبب منافسة الموردين الآخرين.
وأكد جمال سعد بشاي، رئيس شركة »حورس« للحبوب، أن واردات القمح من الممكن أن ترتفع، لكن ليس بالنسبة الموضحة بالتقرير الأمريكي، وأضاف أن هناك مصادر تجارية أمريكية قد توقعت خلال نهايات يناير الماضي ارتفاعاً كبيراً في الواردات المصرية من القمح الأمريكي خلال الشهور المقبلة، بسبب تراجع الطلب علي القمح الأوكراني نظراً لجودته المنخفضة.
وأشار الي أن مشكلة القمح تعدت ارتفاع الواردات، نتيجة ارتفاع حجم مشاكل المطاحن والمصانع بسبب عدم كفاية المعروض من القمح حتي بعد الاستيراد.. الأمر الذي يحتم ضرورة التوقف والنظر بجدية للوضع المستقبلي، ووضع خطة يتم العمل بها في الوقت الحالي للتوسع في الزراعة الداخلية وتوفير مزيد من الاعتمادات المالية لتحقيق الاكتفاء الذاتي بشكل تدريجي.
وقال بشاي إن الذرة الصفراء والقمح المصري أجود من المحاصيل الأمريكية، كما أن القمح الروسي أرخص في تكاليف نقله من القمح الأمريكي، وترتفع جودته، باضافة المحسنات مشيراً الي وجود بعض المشاكل بالقمح الأوكراني ضعيف الجودة منخفض الأسعار، وطبقاً للأوضاع الاقتصادية المصرية فلا غني عن مثل تلك الأنواع من القمح لتحقيق التوازن بين المعروض وشبح الطلب المتزايد.
وطالب باستغلال الأزمة المالية الحالية الي أدت الي انخفاض تكاليف خامات الزراعة، الأمر الذي من الممكن أن يرفع انتاجية عدة محاصيل عن طريق تخصيص جزء من ميزانية وزارة الزراعة لرفع انتاجية المحاصيل الصالحة للتخزين مثل الدقيق والأعلاف.
وأشار بشاي الي صعوبة توقع أسعار القمح للموسم المقبل نتيجة الأوضاع السعرية المتقلبة، وتذبذب أسعار السلع الزراعية عالمياً ما بين الارتفاع والانخفاض بشكل مستمر، الأمر الذي خفض من معدل الاستقرار، مضيفاً ضرورة تدعيم الحكومة للمزارعين.
فرغم اتخاذ الاقتصاد المصري، طابع الاقتصاد الحر فإنه لاغني عن الدعم المتمثل في توفير الأسمدة والمبيدات للمزارعين بأسعار معتدلة. وقال إن زيادة الأعباء علي الفلاح مسئولية وزارة الزراعة، لذلك لابد من الاسراع لتخفيف تلك الأعباء عن كاهل المزارعين، خاصة في ظل الأوضاع الحالية التي أدت الي توقف آلاف المزارعين عن زراعة محاصيل محددة بعدة دول نتيجة الأزمة المالية، وهو الأمر المتوقع حدوثه في مصر اذا استمر الحال علي ما هو عليه