Loading...

ارتفاع ديون حكومات‮ »‬OECD‮« ‬إلي‮ ‬%100‮ ‬من ناتجها المحلي العام المقبل

Loading...

ارتفاع ديون حكومات‮ »‬OECD‮« ‬إلي‮ ‬%100‮ ‬من ناتجها المحلي العام المقبل
جريدة المال

المال - خاص

2:26 م, الثلاثاء, 28 أبريل 09

إعداد – خالد بدر الدين
 
أسوأ ما يمكن أن يحدث للاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة أن يظن الخبراء أن الأزمة الراهنة، وصلت فعلاً الي أعماق الهاوية التي انزلق فيها منذ حوالي عام ونصف العام بدأ يصعد منها من جديد لاسيما وقد ذكرت مجلة »إيكونوميست« هذا الاسبوع أن ثلثي الـ42 بورصة التي تتبع مؤشراتها قد ارتفعتا بأكثر من %20 خلال الأسابيع الستة الماضية، برغم التراجع الطفيف الذي شهدته هذه البورصات بداية الأسبوع الماضي كما أصدرت العديد من المؤشرات الاقتصادية في عدة دول توقعات متفائلة منها ارتفاع مؤشر ثقة المستثمر الألماني لأعلي مستوي منذ عامين وظهور بوادر الانتعاش في أسواق العقارات الأمريكية والبريطانية واستعادة الاقتصاد الصيني لنموه وتوقف الانكماش الذي شهده الانتاج الصناعي العالمي في الشهور الماضية.

 
ومع ذلك فإن توقعات صندوق النقد الدولي التي يصدرها مرتين سنويا من خلال تقرير ورلد ايكونوميل اوت لوك تشير الي أن الركود الحاد الذي يشهده العالم هو أعمق ركود يحدث منذ الكساد العظيم لدرجة أن »تيموثي جيثنر« وزير الخزانة الأمريكية يؤكد أن 17 دولة فقط من بين 182 دولة في الصندوق ستنمو هذا العام بمعدل أسرع مما فعلت في العام الماضي كما أن 71 دولة من الدول الأعضاء في الصندوق من المتوقع أن يتعرض نموها للانكماش منها 30 دولة من دول العالم المتقدمة البالغ عددها 34 دولة.
 
وعندما كان النظام المالي علي وشك حافة الانهيار في سبتمبر الماضي ابتعد المستثمرون عن جميع الأصول ما عدا الآمنة منها وتوقف المستهلكون تقريبًا عن الانفاق وأغلقت الشركات أبوابها وكاد الانتاج يتوقف في معظم القطاعات مما جعل الخبراء يعتقدون ان الأزمة وصلت الي أدني مستوي لها وانها بعد ذلك ستبدأ في الانحسار.

 
وعندما تدور عجلات الأسواق المالية مرة أخري فإن المستهلكين سوف يخرجون محافظهم ويبدأون في الانفاق وستتوقف الشركات الطموحة عن اخفاء أموالها وستعود لمواصلة الانتاج سعيا وراء الأرباح.

 
لكن هذا التفاؤل يحمل في طياته مصيدتين اذ أن الثقة التي عادت الي الأسواق ليست في محلها لأن تعلق الآمال بظهور بدايات الانتعاش القوي كان مجرد تباطؤ في معدل الانهيار، كما أن التفاؤل بعودة الاقتصاد العالمي الي ما كان عليه قبل الأزمة سيعوق هذا الانتعاش ويجمد السياسات المبذولة لحماية الاقتصاد من الانزلاق مرة أخري في أعماق هذه الهاوية.

 
وإذا كانت الأسواق المالية تزدهر بدرجة واضحة قبل أن يتحسن الاقتصاد لأن المستثمرين يشمون رائحة الأرباح، قبل أن يسجل الاحصائيون بيانات هذا التحسن فإن العديد من حالات انتعاش البورصات تنتهي الي لاشيء كما حدث فيما بين عام 1929 وعام 1932 عندما قفز مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من %20 في المتوسط أربع مرات ليعود مرة أخري دون مستوياته المتدنية السابقة كما حدث في الأزمة الراهنة عندما شهدت أسعار الأسهم أربعة ارتفاعات منفصلة بأكثر من %10 ثم تتراجع مرة أخري الي أقل من هذه النسبة.

 
ومن العسير أيضًا تفسير الاحصائيات الاقتصادية فقد شهدت الستة أشهر الماضية عدة انهيارات كل منها بدوافع مختلفة فقد كان الانهيار في الانتاج الصناعي نتيجة تعديل المخزون العالمي الضخم مع بعض العوامل الأخري، ولكن مع تراكم المنتجات التي لاتجد من يشتريها، وصعوبة الحصول علي التمويل، قامت الشركات حول العالم بخفض انتاجها بأسرع من انخفاض الطلب عليها، غير أنه بمجرد أن تبيع الشركات المخزون الموجود لديها فإنها ستبدأ في الانتاج مرة أخري وسيتجاوز الكساد الصناعي أسوأ مراحله.

 
ولكن هناك أيضًا أزمة البنوك وتضخم الديون التي ستؤدي لتعميق الأزمة الاقتصادية لمدة أطول، لاسيما في أمريكا وبريطانيا بسب اقتصاد الفقاعة في كل منهما والآن جعلت الطلب يتراجع مع اختفاء الخطوط الائتمانية وانهيار أسعار الأصول الذي كشف تضخم قروض المستهلكين واصابتهم بالذعر مما جعلهم يتجهون الي الادخار والتوفير، وان  كان التاريخ يؤكد أن عجز الميزانية يستمر لمدة أطول والانتعاش الذي يأتي بعد ذلك يكون ضعيفًا جدًا.

 
وقد أثرت الأزمة الحالية بدرجة أكبر علي دول الاقتصادات الناشئة التي تعرضت لانخفاض مفاجئ في تدفقات الاستثمارات الأجنبية عليها والتي بلغت %5  من ناتجها المحلي الاجمالي عام 2007، لكنها تواجه الآن حرص المستثمرين الذين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في أوطانهم.

 
ويؤكد صندوق النقد الدولي أن البنوك والشركات والحكومات في دول الاقتصادات الناشئة تعاني من ديون قدرها 1.8 تريليون دولار تستحق السداد هذا العام ومعظم هذه الدول في شرق ووسط أوروبا التي ستعاني من عدم عودة ثقة المستثمرين فيها اليها الا بعد سنوات طويلة، حتي لو أفلتت من أزمة الديون.

 
كل هذه الأزمات جعلت الاقتصاد العالمي يواجه الآن انهيارًا أعمق من ذلك الذي ظهر في بداية الكساد العظيم كما جاء في أحدث توقعات صندوق النقد التي تشير الي انكماش الانتاج العالمي بحوالي %1.3 عام 2009 لأول مرة منذ 60 عاماً، برغم التدابير المالية التي تعد الأضخم من نوعها في التاريخ والتي خصصتها الحكومات المختلفة لمواجهة الركود العالمي.

 
فقد ضخت البنوك المركزية العالمية تريليونات الدولارات ولجأت الي أسلحة غريبة وغير تقليدية للتوسع في أسواق الائتمان وتخفيف الشروط النقدية وخفض أسعار الفائدة الي الصفر تقريبًا، بالاضافة لانفاق الحكومات تريليونات أخري من الدولارات لتأميم البنوك أو لحمايتها من الافلاس مما أدي لارتفاع العجز في ميزانية الدول المتقدمة الي حوالي %9 من الناتج المحلي الاجمالي أي أكثر بست مرات مما كان عليه قبل الأزمة.

 
وتطالب أيضًا كبري دول الأسواق الناشئة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين، صندوق النقد الدولي بطرح سنداته للبيع لزيادة موارده المالية الي تريليون دولار ليساعد الدول النامية الأكثر تضررًا من الأزمة الاقتصادية الحالية غير ان الانتعاش الحقيقي لن يتحقق ما لم يزداد انفاق القطاع الخاص ليساعد الانفاق الحكومي في مواجهة هذا الركود.

 
ولما كانت الحكومة الأمريكية قد نفذت أجرأ سياسة دفاعية في العالم لمواجهة الركود الاقتصادي بعد انهيار أسعار عقاراتها بحوالي %30، وانكماش انتاجها الصناعي بأكثر من %20 فإنه من المؤكد أن تخف حدة هذه الأزمة قريبًا ويبدأ اقتصادها في النمو قبل وقت طويل وان كانت مكونات هذا الانتعاش ليست واضحة ولا كافية لمنع الارتفاع الذي يشهده معدل البطالة في الفترة الأخيرة بسبب توقف الصادرات الأمريكية تقريبًا وامتلاء ميزانيات البنوك الأمريكية بالأصول المسمومة التي لا تجد لها علاجًا حتي هذه اللحظة، لاسيما أن انفاق المتسهلك واستثمارات الشركات وصلت الي مستويات دنيا لا تكفي لسداد القروض بعد ان كان استثمار القطاع الخاص يمثل %70 من الناتج المحلي الاجمالي فيما بين عام 2000 وعام 2008.

 
وتعرضت المانيا واليابان لانخفاض في الإنتاج بمعدل أسرع مما حدث في بقية الدول المتقدمة بسبب انهيار التجارة والتصنيع وضعف صادرات كل منهما ولكن بمجرد تعديل المخزون من المنتجات فيهما فإن الانتعاش سيتحقق بأسرع معدل ايضاً. ولكن بريطانيا بسبب أسواقها المالية الضخمة وفقاعة عقاراتها وديون المستهلك والحكومة وتعديل ميزانياتها لن تتمكن من زيادة الانفاق الحكومي كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وان كان ضعف الجنيه الاسترليني قد يساعد صادراتها.

 
وتشير البيانات الجديدة التي أصدرها صندوق النقد الدولي مؤخرا ان البنوك الاوروبية تواجه خسائر قدرها 1.1 تريليون دولار لدرجة أن حكومة المانيا أعلنت هذا الاسبوع عن تأسيس عدة بنوك للقروض المعدومة لإعادة هيكلتها، غير أن اليابان تعاني من ديون حكومية تقترب من %200 من ناتجها المحلي الإجمالي مما يجعل قدرتها علي زيادة التدابير المالية لمواجهة الركود الاقتصادي ضعيفة نسبياً.

 
ويأتي الضوء الساطع الوحيد الذي ينير الاقتصاد العالمي من الصين بفضل التعديل الضخم في مخزونها الهائل الذي قلل من تأثير انهيار الطلب الاجنبي علي منتجاتها حيث يتوفر لحكومة بكين احتياطي ضخم يساعدها في دعم الانفاق المحلي لدرجة ان القروض واستثمارات البنية الاساسية تشهد ارتفاعا واضحا كما أن صندوق النقد الدولي يتوقع نمو اقتصاد الصين بمعدل %6.5 عام 2009 لأن %75 من هذا النمو سيأتي من طلب الحكومة لاسيما انفاقها علي مشروعات البنية الاساسية فيها.

 
ومع ذلك فإن الأيام المظلمة مازالت مقبلة لأنه برغم حجم الركود وضخامة التدابير المالية المبذولة لإنقاذ الاقتصاد العالمي فلا يوجد انتعاش متوقع في المستقبل القريب حتي إذا جاء النمو فسيكون أضعف من أن يتمكن من وقف تزايد معدل البطالة وتراكم الإنتاج في المخازن كما أن اقتصادات دول العالم ستظل لسنوات طويلة تعتمد علي حكوماتها.

 
وسوف تتضخم الديون الحكومية كثيراً بسبب ضعف النمو واستمرار إنفاق الحوافز المالية لمدة طويلة وتزايد تكاليف تنقية البنوك والشركات من أصولها المالية المسمومة لدرجة أن الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصاد والتنمية »OECD « بدأت الازمة بديون قدرها %75 في المتوسط من ناتجها المحلي الإجمالي متوقع أن ترتفع إلي %100 بحلول عام 2010 كما أن ديون أكبر الاقتصادات المتقدمة ستقفز إلي %140 من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2014 إضافة الي استمرار معدل البطالة المرتفع وضعف الاستثمارات وتزايد أعباء الديون الحكومية لسنوات وسنوات.
 
ولقياس الركود العالمي ومقارنته بحالات الركود السابقة وضع مؤخراً خبراء الاقتصاد بصندوق النقد الدولي مقياسا دقيقا يعتمد علي معرفة حجم الانهيار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي للفرد مع بعض المؤشرات مثل الانتاج الصناعي وحجم التجارة وتدفقات رؤوس الاموال واستهلاك البترول ومعدل البطالة.
 
وبناء علي هذا المقياس الجديد فإن الازمة الراهنة هي رابع ركود عالمي منذ الحرب العالمية الثانية وأعمقها وأطولها لأن حالات الركود السابقة في عام 1975 وعام 1982 وعام 1991 استغرقت كل منها سنة واحدة فقط، في الوقت الذي مر علي الازمة الراهنة حوالي 16 شهراً ومازالت أمامها شهوراً طويلة المستقبل وحده سيبين عددها.

جريدة المال

المال - خاص

2:26 م, الثلاثاء, 28 أبريل 09