لم يكن قرار الكونجرس الأخير بتعليق صرف 100 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر إلي حين إحراز القاهرة تقدمًا في بعض الشئون الداخلية، يمثل قرارا مفاجئا أو غير متوقع علي الجبهتين الأمريكية أو المصرية، بل هو نتاج مناقشات ومشاحنات، بدأت أوائل عام 2007 بوجود اتجاه قوي داخل الكونجرس لخفض المعونة الموجهة لمصر، علي الرغم من دفاع ادارة بوش عن اهمية الدور المصري في تأمين المصالح الامريكية في الشرق الاوسط.
واجتمعت الآراء في الفترة الاخيرة سواء الرسمية او غير الرسمية، عن وجود توجه مصري يؤكد امكانية الاستغناء عن المعونات الامريكية خاصة المساعدات الاقتصادية حيث تقلصت مميزاتها الي الحد الذي يجعل التخلي عنها افضل كثيرًا من تلقيها مضافا إليها المزيد من التدخل الامريكي في الشئون الداخلية لمصر.
من جانبه اكد الدكتور طاهر حلمي الرئيس السابق للغرفة التجارية الأمريكية بالقاهرة، أن حجم المكاسب التي تعود علي مصر من المساعدات الاقتصادية الامريكية التي لم تصل بعد إلي نصف مليار دولار تعد محدودة للغاية مقارنة بما يمكن أن يعود علي مصر من مردود اقتصادي ايجابي لحدوث طفرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين وميل الميزان التجاري لصالح القاهرة او جذب المزيد من الاستثمارات الامريكية لمصر.
وأضاف »حلمي« أن الحكومة متمثلة في المجموعة الاقتصادية أدركت هذا الأمر منذ حوالي »3« سنوات فقامت بإعادة هيكلة الأجندة الاقتصادية للعلاقات المصرية الامريكية ووضعت في مقدمتها الاستفادة القصوي من اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة »الكويز« واحداث توازن نسبي في الميزان التجاري بين البلدين الي جانب إعادة صياغة بعض البنود باتفاقية التجارة والاستثمار بين مصر والولايات المتحدة.
وقال حلمي ان الحكومة اسقطت عمدًا بعض الملفات التي طالما تصدرت اجندتها فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بأمريكا وعلي رأسها منطقة التجارة الحرة خاصة عندما ظهر نوع من الصدام بتأكيد كل من وزير التجارة والصناعة ووزير الاستثمار عدم خضوع مصر لأي ضغوط امريكية مقابل بدء التفاوض بشأن منطقة التجارة الحرة إلي جانب الرفض القاطع لربط الملفات الاقتصادية بالسياسة الداخلية لمصر، وهو ما اعتبره اعضاء الكونجرس بمثابة رفض مصري للقيام بالمزيد من الاصلاحات. واشار الي ان الحكومة المصرية لجأت ايضا لتنويع مصادرها من القمح واصبحت لا تعتمد بشكل اساسي علي استيراد القمح من الولايات المتحدة فبدأت تستورد من فرنسا وروسيا، واتجهت مؤخرًا إلي دول شرق آسيا كأسواق بديلة للقمح وذلك لتحجيم حصة القمح الامريكي بالسوق المصرية، نظرا لان البعض كان يري ان اسعار القمح الامريكي مبالغ فيها الي جانب ممارسة بعض الضغوطات علي الجانب المصري مقابل الصفقات الاستيرادية للقمح.
أما السفير عبد الرءوف الريدي سفير مصر الاسبق لدي واشنطن فقال: ان المعونة الامريكية لا تمثل سوي %2 من اجمالي الدخل القومي لمصر معظمها يتمثل في المساعدات العسكرية والتي تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار اما فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية فقد تقلصت تدريجيا من 818 مليون دولار إلي 455 مليون دولار.
وأضاف أن %70 من قيمة هذه المساعدات يعود للجانب الامريكي حيث تستفيد اكثر من الفي شركة صغيرة ومتوسطة من هذه المعونات في تصدير منتجاتها إلي مصر، وبأسعار مغالي فيها، إلي جانب وجود 200 شركة امريكية تنفذ هذه المشروعات وتشرف عليها بمبالغ باهظة لافتا الي ان بعض الاحصاءات تؤكد أن 6 دولارات من اصل 7 دولارات تدفعها امريكا كمساعدات اقتصادية ترد اليها بشكل غير مباشر.
وأشار إلي أن اقرار الكونجرس لبعض التشريعات الجديدة سوف يعضد هذا الاتجاه حيث اقر ان ما لا يقل عن 135 مليون دولار من اجمالي المعونة الاقتصادية التي تبلغ 451 مليون دولار للعام المالي الحالي سيتم توزيعها في شكل اسهامات امريكية للمشاريع المصرية التي يدخل فيها المكون الامريكي بشرط الا تقل فيها قيمة المخصصات الامريكية لبرامج الديمقراطية وحقوق الانسان عن 20 مليون دولار.
وحول إقرار الكونجرس الامريكي تشريعا جديدا يحدد أوجه الانفاق للمخصصات الاجنبية يتضمن عددا من الاجراءات التنظيمية للمعونة المخصصة لمصر بحيث لا تخضع المعونة او من يتلقاها لأي اشراف من الحكومة المصرية الي جانب تخصيص 50 مليون دولار لتغيير نظام التعليم في مصر اوضح مصدر مسئول بالسفارة الامريكية لـ »المال« ان هذا القرار يعتبر بمثابة رد مباشر علي وزير التضامن الاجتماعي علي خلفية إغلاقه للجمعية الوطنية بحجة ارتكابها لتجاوزات مالية وإهدار اموال المعونات الاجنبية وتلقي منح خارجية دون موافقة الوزارة في حين ركزت الجمعية في الفترة الاخيرة علي بعض الملفات المتعلقة بانتهاكات لحقوق الانسان.
وأشار المصدر إلي ان الاصوات المعارضة داخل الكونجرس استغلت بعض الاحداث الداخلية التي حدثت مؤخرا مثل أحداث الاعتداءات الامنية علي القضاة وحبس رؤساء تحرير الصحف لربط صرف 100 مليون دولار من المساعدات الي حين احراز مصر تقدما في تطبيق اصلاحات قضائية ومراجعة الاجراءات الجنائية للحد من الانتهاكات الامنية الي جانب الحد من تهريب الاسلحة عبر الانفاق بين مصر وغزة.