تناولت رسالة حديثة للدكتوراة بتجارة حلوان أثر عولمة الاسواق المالية علي الاداء الاقتصادي في دراسة تطبيقيه علي الاقتصاد المصري، وحصل الباحث محمد عفيفي محمود علي درجة دكتوراة الفلسفة في الاقتصاد عن الرسالة التي أشرف عليها د. سمير مكاري ود. عادل المصري أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان .
أشارت الرسالة إلي أن التعريفات المختلفة للعولمة المالية تنطوي علي عناصر اساسية هي تطوير البيئة الاقتصادية والمالية التي تعمل من خلالها الاسواق المالية وزيادة درجة الاندماج مع الاسواق المالية الأخري وانخفاض درجة إستقلالية السياسات والتشريعات المحلية وتغير الدور الرئيسي للاسواق المالية وزيادة حساسيتها للتغيرات في الاسواق الاخري .
وقسمت الدراسة علمية تطوير عولمة الاسواق إلي 4 محاور الأول يتمثل في إعادة صياغة القوانين والقواعد المنظمة بما يتفق والتنظيمات السائدة بالاسوق المالية الدولية وبما يوفر الرقابة الفعالة التي تقلل من حدة التغيرات الفجائية بتلك الاسواق والمحور الثاني التحرير المالي بما يساعد علي تيسير تدفقات رؤوس الاموال من وإلي خارج الحدود الوطنية وفي ذات الوقت علي استقرار النظام المالي والثالث تحديث البنية الاساسية للاسواق المالية بما يزيد من سرعة المعاملات وزيادة شفافيتها والرابع تشجيع الوحدات الاقتصادية علي تطوير وتحديث الادوات المالية .
وأشارت الدراسة إلي وجود إتفاق علي أسبقية خطوات التحرير المالي الداخلي علي خطوات التحرير المالي الخارجي بما يعني أسبقية محوري إعادة صياغة التشريعات وتدفق المعلومات علي محوري التحرير المالي الخارجي ومحور الخصخصة باعتباره وسيلة لجذب المدخرات الخاصة المحلية والاجنبية وتم تقسيم المراحل التي تمر بها عولمة الاسواق المالية إلي 3 مراحل هي التحرير الداخلي للاسواق ثم الخارجي بما يؤدي لاكتساب ثقة المستثمرين المقيمين وغير المقيمين ثم مرحلة الصراع مع الاسواق المالية الاخري من أجل جذب رؤوس الاموال وما يصاحبها من زيادة درجة حساسية تلك الاسواق للازمات المالية الحالية والخارجية .
واستنتجت الدراسة في تحديدها لمدي ملاءمة محاور العولمة المالية مع مراحلها المختلفة إتساق محور إعادة صياغة التشريعات والمرحلة الاولي لتطور العولمة والخاصة بالتحول وإعادة الهيكلة بينما يتوافق محورا الانفتاح المالي والتحول إلي الملكية الخاصة مع المرحلة الثانية من مراحل تطور العولمة المالية والخاصة باكتساب ثقة المستثمرين كما يتوافق محور التكنولوجيا وتدفق المعلومات مع المرحلة الثالثة والاخيرة من مراحل تطور العولمة المالية .
وأشارت نتائج المؤشر التجميعي الذي استخدمه الباحث والذي يعتمد علي القياس النوعي لدرجة تطور كل محور من محاور العولمة المالية من خلال مؤشرات فرعية تتمثل في تحديد الحدود الدنيا والقصوي لمدي تحقق الاهداف الرئيسية لكل محور إلي إتجاه معدلات عولمة القطاع المالي المصري إلي الزيادة مع تراكم الاجراءات الهادفة لتحرير القطاع المالي واندماجه في الاسواق العالمية حيث أصبحت درجة عولمة القطاع المالي المصري موجبه في الثمانينات بعد أن كانت سالبة في السبعينات وارتفع متوسط درجة العولمة للقطاع في التسعينات وأوضحت الدراسة أن الأثر النظري لاهمية الاسواق المالية علي النمو الاقتصادي أن الاسواق المالية تعمل في المراحل الاولي للنمو الإقتصادي علي تلبية الاحتياجات التمويلية للمشروعات الإقتصادية من موارد حقيقية وليست موارد تضخمية، وتساعد علي إحداث نهضة صناعية، كما أن تطور أداء تلك الاسواق وتنوع أدواتها ذو أهمية خاصة في المراحل المتقدمة للنمو الإقتصادي بما يعكسه ذلك من توفير للسيولة وتنويع للمخاطر وتيسير تطبيق الابتكارات التكنولوجية .
وأشارت إلي أن تناول ظاهرة العولمة المالية وآثارها الاقتصادية المتوقعة يؤكد علي أن السؤال الأكثر أهمية فيما يتعلق بتلك الظاهرة لا يتمثل في ماهية الاختيار بين الدخول في عملية عولمة سوق المال المحلي من عدمه، وإنما يتمثل في كيفية الدخول الآمن في العولمة المالية، أو بتعبير آخر كيف يمكن الإستفادة من المزايا المتوقعة لعملية عولمة سوق مالي ما، وفي ذات الوقت تجنب الآثار السلبية المصاحبة لتبني الإتجاه نحو عولمة السوق المحلي .
وأوضحت الدراسة إمكانية تحقيق الأثر الايجابي للعولمة المالية علي الاداء الاقتصادي في مراحلها الاولي وإمتداد ذلك الأثر في مراحلها الاخيرة، ومن ثم تجنب إنعكاس ذلك الأثر الايجابي للعولمة المالية في مرحلتها الاخيرة، إلا أن النتائج التطبيقية لتلك الفرضية بالاقتصاد المصري خلال فترة الدراسة تشير إلي تحقق الأثر السلبي للعولمة المالية دون تحقق الأثر الإيجابي لها، وذلك علي الرغم من إنخفاض درجة عولمة سوق المال المصري وعدم إكتمال المرحلة الأولي للعولمة المالية بالاقتصاد المصري .
ويمكن معرفة أسباب ذلك التناقض ـ بين التحليل النظري للظاهرة والنتائج التطبيقية لها بالاقتصاد المصري ـ من خلال مقارنة الخطوات أوالإجراءات التي ابعت في الاقتصاد المصري في إتجاه عولمة سوق المال المصري بتلك السياسة المقترحة للدخول الامن في إتجاه العولمة المالية .
استعراض إجراءات عولمة سوق المال المصري منذ منتصف السبعينات من القرن العشرين وحتي نهاية القرن توضح تركز الاهتمام في المقام الأول علي تحرير تدفقات رؤوس الاموال من وإلي خارج الحدود القومية، وذلك علي الرغم من ذلك التحرير يأتي ضمان السياسة المقترحة للدخول الامن في إتجاه العولمة المالية في نهاية المرحلة الثانية من مراحل العولمة المالية، بحيث يأتي في الأولية بعد تحرير القطاع الحقيقي ثم إعادة صياغة التشريعات .
يأتي سوق الصرف الاجنبي في المرتبة الثانية من حيث أولويات التعديل في مجال عولمة سوق المال المصري، حيث سمح للاشخاص الطبيعيين والمعنويين من غير الجهات الحكومية بالاحتفاظ بالنقد الاجنبي، وكذلك بحرية تداول ذلك النقد خارج الجهاز المصرفي، كما تم توحيد اسعار صرف العملات الاجنبية، وإن ظل ذلك السعر الموحد مدارا ومرتبطا بعملة واحدة (الدولار الامريكي ).
وقد جاءت إعادة صياغة التشريعات في المرتبة الثالثة رغم أولويتها القصوي نظريا، حيث بدأت تلك المحاولات بالتركيز علي سوق النقود، إلا أن المحاولة الأولي في هذا المجال كانت قاصرة علي التعديل التشريعي اللازم لقانون التدفقات (1974/43)، بحيث يسمح بإمكان إنشاء بنوك الإستمثار والأعمال التي تساهم فيها رؤوس أموال أجنبية .
وعلي الرغم من تعدد التعديلات التشريعية الخاصة بسوق النقود، إلا أن التشريعات البنكية في حاجة إلي إعادة توصيف الانشطة البنكية بما يسمح باستيعاب التطورات التي طرأت علي تلك الانشطة، خاصة في مجال إستخدام وسائل الدفع الالكتروني والتوقيع الالكتروني والشركات القابضة التي تمارس الانشطة المالية في كل من سوقي النقود ورأس المال، وإعطاء المزايا لإنشاء الكيانات البنكية الكبري، وتشجيع الانتشار الجغرافي للنشاط المصرفي .
ثم جاءت محاولة إنشاء جهة رقابية لسوق رأس المال المصري في عام 1979، إلا أن هذه الجهة ظلت ثلاثة عشر عاما دون إختصاصات رقابية حقيقية ودون وجود قانون متخصص لسوق رأس المال المصري تعمل علي تطبيقه وتطويره بما يسمح بتنمية وتنشيط السوق، وعلي الرغم من الاضافات العديدة التشريعية التي تضمنها القانون المنظم لسوق رأس المال، إلا أنه لم يتضمن توصيفا واضحا للأنشطة المرتبطة بسوق رأس المال، وأحال العديد من ضوابط ممارسة تلك الانشطة للجهة الإدارة، مما جعل تلك الضوابط متغيرة ومحلا للاجتهادات .
كذلك فإن من مظاهر عدم إكتمال محور إعادة صياغة التشريعات، أنه لم يتم صياغة الضوابط الخاصة بإنشاء مؤسسات الرقابة الذاتية، أو كيفية التنسيق فيما بين تلك المؤسسات ومؤسسات الرقابة الرسمية، كما لم يتضمن إمكانية إنشاء سوق مالي غير تقليدي للادوات المالية المستحدثة بالدول المتقدمة، كذلك الضوابط التي تسمح بالرقابة الفعالة وحماية المستثمرين من الغش أو التدليس أو منع التجارة بالمعلومات الداخلية، أو وضع تشريعات متخصصة للأوراق المالية ذات العائد الثابت بما يضمن حقوق المستثمرين .
كذلك فإنه علي الرغم من البدء في تطبيق محور التكنولوجيا وتدفق المعلومات ـ بصفة خاصة في سوق الأوراق المالية ـ إلا أن ذلك المحور لا يزال يتصف بعدم توافر الخدمات المالية الالكترونية، وانخفاض درجة التكنولوجيا المستخدمة في القطاع البنكي، وعدم توافر المعلومات من حيث الكم والنوع والسرعة بالنسبة للعديد من المؤسسات العاملة في سوق المال، وكذلك عدم التنسيق الدائم والمنظم فيما بين الجهات الرقابية بعضها البعض، والجهات الرقابية والمؤسسات العاملة في السوق .
يتبين مما سبق أنه علي الرغم من عدم إكتمال المحاور الخاصة بالمرحلتين الأولي والثانية، إلا أن محور الخصخصة ـ والذي يتلاءم مع المرحلة الاخيرة من مراحل العولمة المالية ـ ثم البدء فيه مع بداية التسعينات من القرن العشرين، أو بتعبير أكثر دقة قبل صدور القانون المنظم لسوق رأس المال، كما إتصف بالمغالاة في تقييم الأوراق المالية المملوكة للحكومة والتي تم طرحها للجمهور من خلال بورصة الأوراق المالية، الأمر الذي إفقد ذلك المحور فاعليته وأضر بثقة المستثمرين في السوق المحلي .
مما سبق يتبين أن الإقتصاد المصري قد بدأ تطبيق محاور عولمة سوق المال المصري بشكل مواز تقريبا، بمعني أنه لم تكن هناك سياسة واضحة خاصة بأولويات تطبيق تلك المحاور، كما أن التطبيق شهد إختلاف الوزن النسبي لبعض المحاور عن البعض الآخر، حيث تركز الإهتمام علي تحرير تدفقات رؤوس الأموال دون تمييز فيما بين التدفقات قصيرة وطويلة الأجل، مع إعطاء العديد من المزايا للإستثمار في السوق الثانوي للأوراق المالية (قصيرالأجل ).
وكذلك علي تحرير سوق الصرف الاجنبي، وذلك علي الرغم من الاولوية التالية لتلك المحاور وإرتباطهما بالمرحلة الثانية من العولمة المالية، وقد أدي الإسراع في تطبيق هذه المحاور فيما قبل إكتمال المحور الأولي بالتطبيق في المرحلة الأولي للعولمة المالية (محور إعادة صياغة التشريعات) إلي تعرض الاقتصاد المصري إلي أزمة مالية مشابهة لتلك التي حدثت بالاسواق الناشئة، وإن كانت أقل حدة منها نظرا لانخفاض حجم رؤوس الاموال الاجنبية المستثمرة في السوق المصري، وقد نتج عن ذلك التداخل في تطبيق برامج الاصلاح الاقتصادي والمالي إلي الضغط علي الميزان التجاري، ومن ثم علي حجم الاحتياطيات للدفاع عن سعر الصرف الاجنبي، الأمر الذي أدي إلي خسارة الاقتصاد لما يقرب من خمسة مليارات دولار من الاحتياطي لدي البنك المركزي .
ولعل الامر يتطلب مراجعة السياسة المتبعة لعولمة سوق المال المصري، بحيث يتم التركيز علي محور إعادة صياغة التشريعات، بما يساعد في إعادة التنظيم الجيد للمؤسسات الرقابية الرسمية والذاتية، ووضع القواعد الخاصة بكيفية التنسيق فيما بين تلك المؤسسات، وإستخدامها للوسائل التكنولوجية الحديثة، وزيادة قنوات الإتصال فيما بين تلك المؤسسات والمؤسسات المماثلة بالدول المتقدمة .
وكذلك وضع توصيف واضح ومحدد للأنشطة المالية البنكية وغير البنكية ومدي إمكانية الجمع بين هذه الانشطة بعضها البعض، وضوابط ذلك الجمع، وكذلك وضع الضوابط الخاصة بالتوقيع الالكتروني أو الصوتي في المعاملات المالية، والترويج للخدمات المالية الإلكترونية، وضوابط منع الغش والتدليس في المعاملات المالية المستحدثة، وكذلك تلك المتعلقة بالاستفادة من المعلومات الداخلية .
إعداد تشريع مستقل للأوراق المالية ذات العائد الثابت، والضمانات الخاصة بحماية حقوق المستثمرين في هذه الأوراق، وكذلك تشريع متكامل يضع تصورا شاملا لإمكانية إنشاء أسواق المشتقات بأنواعها المختلفة، وليس مجرد نص غامض يسمح بإمكانية التعامل علي العقود النمطية للمشتقات وفقا لاحكام تصدر فيما بعد .
بحيث يكون الإعفاء الضريبي مميزا للشركات التي تطرح أوراقا مالية للجمهور، ومميزا لسوق الإصدار، وللقيد في بورصة الأوراق المالية، والتشجيع علي الانتشار الجغرافي للمؤسسات المالية البنكية وغير البنكية، وقيام الكيانات المالية الكبري، وعلي استخدام التكنولوجيا المستحدثة في المجال المالي .