صورة – ارشيفية
رامي هاشم:
عندما يسير المرء في الأحياء القديمة ويتأمل البيوت المشيدة من عشرات السنين وما بها من مهارة وحرفية في البناء والتشييد، وحينما تتاح الفرصة لمشاهدة تلك البيوت من الداخل تجدها لا تقل روعة وجمالاً عن شكلها من الخارج بل وتجد ثراء وذوقاً خاصاً في التصميم المعماري والداخلي هذا ما يجعل كثيراً من الناس لا تترك بيوتها القديمة بسهولة وهناك أخرون يبحثون عن أي شقة من شقق مصر القديمة ذات الطراز المعماري القديم في أي من أحياء القاهرة، خاصة الراقية منها مثل الزمالك وجاردن سيتي والكوربة، ولكن احتياجات السكن في الألفية الجديدة تختلف عن احتياجات أوائل القرن الماضي وهذا ما يوجد الاختلاف الكبير في التشطيب الداخلي قديماً وحديثاً بداية من الارتفاعات العالية في الأسقف الداخلية والتي لا تقل عن ثلاثة أمتار وربع المتر وصولا للدهانات الجيرية والكرانيش المزخرفة واستخدام الخامات الطبيعية في مختلف أركان البيت.
في هذا السياق تقول الدكتورة عصمت الوكيل رئيس قسم التصميمات الداخلية بإحدي شركات الديكور وهي في نفس الوقت تمتلك إحدي الشقق بجاردن سيتي وتقوم بتجديدها حاليا، حيث تقول: تعتبر البيوت القديمة بمثابة قطعة قماش ثمينة تزداد قيمتها يوما بعد يوم وتحتاج ليد ماهرة لتخرج منها بأفضل قطعة ثياب متاحة فلا يوجد ركن أو زاوية في أي من البيوت القديمة الا وقد تمت دراسته بعناية كما كان يراعي المعماري الأبعاد والنسب الداخلية لاعطاء أكبر قدر من الراحة داخل البيت فالأبواب الداخلية لا يقل ارتفاعها عن مترين وربع المتر وعرضها في أقل الأماكن لا يقل عن 85 سم ليس فقط في المساحات الكبيرة بل أيضا في المساحات الصغيرة فلا فرق بينهما في الحصول علي الاتساع والاستخدام المريح. وأول ما يسترعي الاهتمام في اعادة تجديد البيوت القديمة ازالة طبقة الجير الموجودة لتكسية الحوائط بالمعجون اللازم ودهانها بالبلاستيك وقديما كان يستخدم الجير في الحوائط لاعطاء احساس بالرطوبة والتقليل من حرارة الجو فلم تكن هناك أي استخدامات للتكييفات كما كان يستخدم جبس مع الأسمنت لعمل محارة مختلفة عن المتعارف عليها الآن أيضا لتقليل نفاذ الحرارة من الخارج للداخل، أيضا استبدال وتجديد الكهرباء الداخلية من المواسير الداخلية وبالطبع الأسلاك وتغيير علب الكهرباء للبلاستيكية بعد أن كانت من الصاج والمعدن ويمكن زيادة مخارج الكهرباء واعادة توزيعها بما يتماشي مع المتطلبات الجديدة من أجهزة حديثة سواء كانت مساعدة في البيت أو ترفيهية أو أجهزة تكييف والتي يندر وجودها أو وجود تأسيس لها في البيوت القديمة حيث كان يعتمد علي التهوية الطبيعية عن طريق الفتحات سواء كانت شبابيك أو بلكونات والتي كان يتم توزيعها بعناية وليست مجرد فتحات للانارة أو لتكمل شكل الواجهة بل كان لها استخدام مهم في توزيع وتجديد الهواء داخل البيت لإيجاد جو صحي جميل، فمنها المتقابلة لبعضها البعض فتحدث نوعاً من مرور الهواء ومنها المقابلة للواجهة البحرية وغالبا ما تكون بها بلكونة كبيرة قديماً، ومنها المقابلة لواجهة قبلية وهي تصلح للاستفادة من أشعة الشمس شتاء. ويلاحظ ان الشبابيك جميعها من الخشب (شيش وزجاج) والعرض غالبا ما يكون قليلاً مقارنة بالمساحة الداخلية ولتعويض هذا ولاعطاء مساحة ضوء كافية يكون هناك أكثر من شباك في الغرفة الواحدة كما يكون الارتفاع عالياً وهذا لاعطاء خصوصية للمكان وفي نفس الوقت تقليل مساحة دخول الضوء من الفتحة الواحدة. كذلك تعطي الارتفاعات العالية للأسقف ميزة خاصة في تجديد البيوت في امكانية اضافة تكييفات مركزية أو كونسيلد دون الشعور بتقليل الارتفاع الداخلي. ومن أهم العناصر الداخلية التي غالبا يتم الابقاء عليها وعدم تغييرها (ان وجدت) الكرانيش المزخرفة والتي تتميز بدقة صناعتها والذوق الرفيع في اختيارها. اما الدفاية فتعتبر من العناصر الثمينة والتي يجب الابقاء عليها وتجديد المطلوب دون تغيير شكلها فكثير من الناس تشتري هذه الدفايات من أنقاض البيوت القديمة وتبيعها كقطع أنتيك. وأحيانا تكون هناك بعض الأعمدة الديكورية المصنوعة من الجبس اما علي الطراز الروماني أو الفرنسي ويمكن أيضا الابقاء عليها اذا كانت متماشية مع الاستايل الجديد للبيت مع اعادة دهانها بتأثيرات وألوان خاصة. وتعتبر السباكة أول عناصر التغيير دون أي تردد حيث غالبا ما تكون بلغت عمرها الافتراضي وحان وقت تجديدها كما يجب مراجعة الصرف الخارجي وتوظيفه مع خامات السباكة الداخلية الجديدة كما يمكن اعادة توزيع وتجديد عناصر الحمامات الداخلية دون الالتزام بالتوزيع الداخلي. ولهواة البلكونات فلا يوجد بيت قديم يخلو من بلكونة كبيرة مع شكل هندسي خاص علي عكس اليوم والذي يسعي أغلب المعماريين للاستفادة من المساحات المتاحة لادخالها في المساحة الداخلية للبيت ولكن قديما كانت البلكونة عنصراً أساسياً ومهماً في البيوت لتجمع الأهل في المناسبات ويمكن استغلالها صيفا وشتاء عن طريق تركيب ستائر لحجب الرؤية وتقليل الهواء شتاء ولا ننسي أصص الزرع وتوزيعها حول أماكن الجلوس وعلي سور البلكونة لتعطي جواً مستوحياً من الطبيعة.