وضع المركز المصري للدراسات الاقتصادية عدة ملاحظات حول مشروع قانون الضريبة علي العقارات المبنية، تتعلق بمشروع القانون وفلسفة إدارة الدولة والاختلالات في سوق العقارات المبنية والاخلال بالعدالة الضريبية والغرض من تعديل القانون ومعدل الضريبة، ووعاء الضريبة ومنهجية الحصر والتقييم واعادة التقييم للعقارات، وإدارة الضرائب العقارية والأراضي الزراعية.
وأوضح المركز في دراسة حديثة حول مشروع القانون ــ حصلت »المال« علي نسخة منها ــ أنه فيما يتعلق بفلسفة إدارة الدولة له، فان مشروع قانون الضريبة علي العقارات المبنية ينم عن استمرار التحكم الاداري في تحديد الايجارات وتقييم العقارات، وهو ما يجب التخلي عنه في ضوء التوجه نحو التحرير واعمال قوي السوق، فالتوجه الحالي نحو فلسفة السوق الاجتماعية يحتم الاعتماد علي قوي السوق في تحديد تلك الايجارات والتخلي عن اللجان لحصد وتقييم واعادة تقييم العقارات وايجاراتها.
وأضافت الدراسة أنه من الضروري قبل تعديل القانون الحالي من أجل اصلاح الضرائب العقارية أن تعمل الحكومة علي اصلاح الاختلالات القائمة في سوق العقارات المبنية، واصلاح العلاقة بين المالك والمستأجر حتي لا ينتهي الأمر إلي جباية المزيد من الايرادات لصالح الخزانة العامة علي حساب محدودي الدخل من ملاك العقارات القديمة محددة الايجار، ومن شاغلي العقارات الجديدة محررة الايجار.
وأضافت أن سوق العقارات المبنية في مصر تتعرض لتشوهات جذرية نتيجة تثبيث الايجارات طوال فترة تجاوزت نصف قرن وامتداد عقد الايجار تلقائياً تبعا للقانون 121 لسنة 1947، مما أدي إلي التدهور الشديد لدخل المالك مقارنة بدخول شاغلي العقارات التي يمتلكها، إلي جانب تدهور الثروة العقارية لعدم الصيانة وتعثر التنمية العمرانية.
وانتقدت الدراسة عدم تعرض مشروع القانون لاعفاء الوحدات السكنية التي تدعمها الدولة من الضريبة العقارية، وتشير التجارب الدولية إلي أن الضرائب العقارية تُفرض في عدد كبير من الدول علي القيمة السوقية للعقار وليس علي القيمة الايجارية كما هو الحال في مصر، ولكن الاختلالات والتشوهات التي تسود سوق العقارات تجعل من الصعب التحول إلي تقدير الضرائب علي القيمة السوقية للعقارات، حيث إن قيمة ما يمتلكه الفرد من عقارات لا تعكس بالضرورة مستوي أو دخله.
وأكدت الدراسة أن الغرض من تعديل القانون يرجع إلي سببين، أولهما يتعلق بقدم قانون الضريبة العقارية المطبق حالياً والتعديلات الكثيرة التي طرأت عليه بما لا يتماشي مع التطورات التي تشهدها سوق العقارات في مصر، كما نتج عن هذه التعديلات عدد من التشوهات، فعلي سبيل المثال المادة الثانية من القانون الحالي التي تم تعديلها وفقا للقانون رقم 549 لسنة 1955 لتعديل حدود بعض المدن، أدت إلي فرض ضريبة علي بعض العقارات المبنية وعدم فرضها علي عقارات أخري، علي الرغم من وجودها في ذات المنطقة الجغرافية، بل في ذات الحي أو الشارع، ووصل الأمر إلي أن تعديل المادة »12« من القانون الحالي وفقا للقانون رقم 129 لسنة 1961 لزيادة عدد فئات الضريبة إلي خمس فئات بدلاً من فئة واحدة، أدي إلي صعوبة تطبيق القانون، لذا فإن التعديلات المستمرة للقانون الحالي لاقرار بعض الاعفاءات قد أدت إلي وجود تباين في الضريبة العقارية المطبقة علي الوحدات المختلفة في ذات العقار.
وفيما يتعلق بالسبب الثاني الخاص بضرورة تعديل القانون الحالي للضريبة العقارية أرجعت دراسة المركز المصري للدراسات الاقتصادية ذلك إلي وظيفة الضرائب العقارية التي يجب أن تتغير لتتواكب مع الاتجاه نحو اللامركزية، وما يترتب عليه من ضرورة منح درجة أكبر من الاستقلالية للمحليات، خاصة فيما يتعلق بتنمية الموارد وترشيد النفقات، علي أن يتم هذا التعديل في اطار العمل علي اصلاح أوضاع الموازنة، وتحقيق العدالة الأفقية والسعي إلي الحد من الهدر في استخدام الموارد نتيجة الاستثمار في العقارات الترفيهية مثل المنتجعات والمجمعات السكنية الفاخرة.
وقد اهتمت بعض الدول النامية باصلاح نظام الضرائب العقارية في ضوء تزايد الاتجاه نحو اللامركزية وتنامي دور المحليات والاعتماد المتزايد علي الضرائب العقارية كمصدر رئيسي لتمويل الخدمات التي تقدمها المحليات، إلا أن نسبة مساهمتها في الدول المتقدمة تبلغ %13 من إجمالي ايرادات المحليات في الدول المتقدمة، و%18 في الدول النامية علي الرغم من تواضع مساهمة الضرائب العقارية في الضرائب العامة، حيث تبلغ %2 في الدول النامية و%4 في الدول المتقدمة، في حين أن مشروع القانون ينص علي الغاء حق المجالس المحلية بالمدن والقري في تحصيل الضريبة العقارية المفروضة علي العقارات كما ورد بالمادة »32« من مشروع القانون أن حصيلة الضريبة العقارية تؤول للخزانة العامة دون النص علي تخصيصها للمحافظات، ومن ثم تحرم المحليات من مورد رئيسي يسهم بحوالي %30 تقريباً من إجمالي مواردها.
وأشارت الدراسة إلي أنه فيما يتعلق بمعدل الضريبة فإن مشروع القانون وحد معدل الضريبة في فئة واحدة هي الأقل في الفئات المعمول بها حالياً، والتي تبلغ %10، ويتماشي هذا التعديل مع الاتجاه السائد في عدة دول نحو توحيد سعر الضرائب العقارية، حيث يتمثل الهدف من اختلاف معدل الضريبة العقارية في فرض عبء أكبر للضريبة علي الفئات الأكثر قدرة علي تحمل ذلك العبء.
ويؤخذ علي مشروع القانون ارتفاع معدل الضريبة مقارنة بالدول الأخري، كما أن تحديد هذا المعدل عند أقل فئة سيؤدي لاستفادة الواقعين في الفئة الضريبية ما بين 20 و%40 وفقاً للقانون الحالي، حيث ستنخفض الضريبة المفروضة عليهم إلي %10 من القيمة الايجارية، دون حدوث أي خفض للفئات الأقل.
وفيما يتعلق بوعاء الضريبة ومنهجية الحصر أكدت الدراسة أن المذكرة الايضاحية لمشروع قانون الضريبة العقارية نصت صراحة علي اخضاع جميع العقارات الكائنة في اقليم الدولة للضريبة بما في ذلك العشوائيات والمجتمعات العمرانية الجديدة والساحل الشمالي، بينما لابد أن يتوافق اخضاع جميع العقارات للضريبية مع اعتبارات الكفاءة في إدارة الضرائب العقارية والتي تقتضي توسيع القاعدة الضريبية، بحيث يؤدي الضريبة عدد أكبر من الممولين بدلاً من زيادة معدلها الذي يعمل علي مضاعفة الأعباء الضريبية علي من يقومون بسدادها.
وأوضحت الدراسة أن مشروع قانون الضرائب العقارية لم يتعرض للأراضي الزراعية، علي الرغم من أن بعض الدول تفرد قوانين منفصلة للضرائب العقارية علي الأراضي الزراعية، إلا أن الغالبية العظمي من هذه القوانين تتضمن الأراضي الزراعية والعقارات معا لتسهيل وتبسيط الاجراءات والتشريعات، وفضلا عن هذا تعد الضريبة العقارية المفروضة علي الأراضي الزراعية والتي تقدر بـ%14 مرتفعة مقارنة بسعر الضريبة المقترحة علي العقارت المبنية، ومقارنة بما هو متعارف عليه في الدول الأخري.