إصلاحات «النقد الدولى» تصطدم بضغوط الشارع

إصلاحات «النقد الدولى» تصطدم بضغوط الشارع
جريدة المال

المال - خاص

1:00 م, الأثنين, 27 أغسطس 12

هاجر عمران

 

وضع قرض الـ 4.8 مليار دولار الذى تعتزم مصر اقتراضه من صندوق النقد الدولى، الرئيس محمد مرسى وحكومته أمام أكبر تحد منذ اعتلائه سدة الحكم، خاصة أن الشروط التى وضعها الصندوق تصطدم مع ضغوط الشارع وعدم تحمل غالبية أفراده رفع الدعم عن السلع الأساسية .

 

وإذا كانت كرستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى قد اعترفت بأن تمرير القرض يحتاج إلى شجاعة سياسية فإن د .حازم الببلاوى، الخبير الاقتصادى، أكد أن رفع قيمة القرض من 3.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار يتطلب تعديلاً للموازنة العامة .

 

فى المقابل يحذر الخبراء من «ثورة جياع » فى حال انصياع الحكومة المصرية لشروط النقد الدولى .

 

ويجمع الخبراء على أن تلك الإصلاحات ستثير اضطرابات واسعة فى الشارع، حيث ستؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير وأزمات واسعة فى توفير مشتقات الطاقة وأسعار النقل والمواصلات .

 

واعتبر محللون أن لاجارد تعنى بتلميحاتها خفض الإنفاق الاجتماعى وإعادة هيكلة الدعم والنظام المالى والمصرفى والاستغناء عن سياسات رفع الأجور فى البلاد، وما يترتب عليه من ارتفاع الأسعار نتيجة عدم إحكام الرقابة على الأسواق، مشيرين إلى أنه لا مفر من تنفيذ نصائح الصندوق لتعديل مسار الاقتصاد الذى شوهه النظام السابق وعلى الشعب أن يتحمل العواقب ويدفع الضريبة ولفتوا إلى ضرورة التنفيذ بشكل عاجل وقالوا إن وضع الاقتصاد أصبح خطيراً ولا يحتمل .

 

وأكدوا أن التوترات السياسية والاقتصادية التى مرت بها البلاد خلال فترة ما بعد الثورة خفضت الاحتياطى النقدى بأكثر من النصف إلى 14.4 مليار دولار خلال شهر يوليو الماضى مقارنة بـ 36 مليار دولار خلال ديسمبر 2010 نتيجة تراجع السياحة والاستثمار الأجنبى وتسديد التزامات الديون خلال شهور معينة من كل عام وهو ما يعزز من أهمية الاستعانة بقروض النقد الدولى فضلاً عن السعى تجاه الاقتراض من دول ومؤسسات مالية أخرى .

 

وتكمن المفارقة فى مطالبة حكومة لا يتجاوز عمرها الشهرين بإجراءات عجز نظام تعدى عمره الـ 30 عاماً عن اتخاذها خاصة مع احتمالية نتائج قد تقود الشارع إلى موجات من الاحتجاجات إذا ما تم المساس بالدعم والأسعار وأكد الخبراء أهمية أن تقوم الحكومة ببناء جسور الثقة مع الشعب حتى تؤهله للتكيف مع الإجراءات التى تفرضها .

 

ورغم اتخاذ الرئيس مرسى بعض الخطوات التى أكسبته أرضية فى الشارع المصرى عبر الاستحواذ على كامل السلطات والإطاحة بالمجلس العسكرى، فإن وضع الحكومة الحالية من ثقة الشارع لا يزال على المحك، خاصة مع استهلال توليها بانقطاع مستمر للكهرباء فى كل أنحاء البلاد، مما دفع المواطنين إلى قطع الطرق الرئيسية والسكك الحديدية وأعمال شغب محدودة .

 

الدكتور حازم الببلاوى، وزير المالية السابق، استنكر طلب الحكومة زيادة قيمة القرض إلى 4.8 مليار دولار بدلاً من 3.2 مليار، رغم رفض حزب الحرية والعدالة برئاسة الدكتور محمد مرسى مبدأ الاقتراض من الخارج بشكل عام والاقتراض من الصندوق بشكل خاص فى وقت سابق بدعوى وجود بدائل محلية تغنى عن الاستعانة بمصادر التمويل الخارجية، إلا أن الببلاوى قال إن موقف المعارض يختلف عن موقع من بيده المسئولية .

 

ونصح باتخاذ الإجراءات التى يطلبها تنفيذ البرنامج الاقتصادى الذى وضعه خبراء مصريون ويشرف عليه خبراء من صندوق النقد الدولى بشكل عاجل مبرراً طلب الحكومة زيادة قيمة القرض بزيادة احتياجات الاقتصاد، خاصة مع عدم استقرار الحالة السياسية فى البلاد لأكثر من عام ونصف العام مما أطال مدة المفاوضات مع الصندوق حتى الإعلان عن رئيس مدنى منتخب لديه كل السلطات، مشيراً إلى تراجع إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية وزيادة الضغط على الاحتياطى الأجنبى .

 

وقال إن موافقة الصندوق على قرض الـ 4.8 مليار دولار تقتضى تعديل الموازنة العامة عن العام المالى الحالى 2013/2012 ، مشيراً إلى أن تقديرات الحكومة للعجز المتوقع بنهاية العام منطقية إلا أنه أكد ما أشارت إليه كريستين لاجارد، رئيس صندوق النقد الدولى خلال المؤتمر الصحفى الذى عقدته بالقاهرة نهاية الأسبوع الماضى مع رئيس الحكومة حول أن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى يقتضى التحلى بالشجاعة السياسية .

 

وأشار إلى أن الشارع المصرى عليه أن يتحمل ضريبة وضع الاقتصاد على المسار الصحيح لأن الوضع أصبح خطيراً ولا يحتمل التأخير فى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى رغم عدم وجود توافق سياسى وعدم وجود برلمان منتخب، وقال : لا توجد دولة تعيش بأكثر من مواردها وإذا ما أراد الشعب وضعاً اقتصادياً أفضل فى المدى الطويل عليه أن يثق فى إجراءات الحكومة ويتحمل عواقبها السلبية فى المدى المتوسط والقصير متوقعاً بعض الاضطرابات عند المساس بدعم الخبز أو البنزين .

 

وكان الرئيس المخلوع قد واجه فى مايو 2008 أعنف احتجاجات على حكمه عقب إقرار مجلس الشعب عدداً من الإجراءات الخاصة بتقليص الدعم عن السولار والبنزين وإلغاء الإعفاء الضريبى للشركات التى تعمل وفق المناطق الحرة وعدداً آخر من الإجراءات فيما عرف بقرارات 5 مايو قفزت بعدها معدلات التضخم بشكل كبير و ارتفعت أسعار النقل والمواصلات على الرغم من أن جانباً واحداً من تلك الإجراءات مس الدعم الموجه إلى الطاقة بشكل طفيف .

 

ولم تكن الإجراءات التى اتخذها النظام السابق فى ذلك الوقت مرتبطة ببرنامج تمويل من صندوق النقد، وعلى الرغم من ارتفاع فاتورة الدعم الموجهة للطاقة فى موازنة العام المالى المنتهى فى يوليو الماضى إلى أكثر من 100 مليار جنيه واجهت البلاد أزمات متعاقبة فى توفير الطاقة على مدى الـ 18 شهراً الماضية بدءاً من نقص مشتقات البنزين واسطوانات البوتاجاز وانتهاءً بتكرار انقطاع التيار الكهربائى عن المنازل بشكل منتظم يومياً، وقفزت معدلات التضخم بشكل عنيف بمجرد اتخاذ قرارات «مايو » وسجلت زيادة بأكثر من ٪ 20 فى الشهر التالى مباشرة .

 

وأشارت الدكتورة ماجدة قنديل، المدير التنفيذى لمركز الدراسات الاقتصادية إلى أهمية الالتزام بتنفيذ الإجراءات الإصلاحية التى يضعها برنامج صندوق التمويل لمصر بشكل عاجل خاصة مع زيادة الضغط على احتياطى العملات الأجنبية متوقعة ألا يواصل صموده لأكثر من شهرين لشراء الاحتياجات السلعية من الخارج إذا ما تم استثناء الذهب خاصة مع التزام الحكومة بتسديد التزامات الديون فى شهور معينة من السنة منها يناير ويوليو .

 

ويشير أحدث تقارير البنك المركزى المصرى إلى انخفاض احتياطى البلاد من العملات الأجنبية إلى 14.4 مليار دولار بنهاية يوليو الماضى مقارنة بـ 15.5 مليار دولار خلال شهر يونيو الماضى، يذكر أن متوسط انخفاض احتياطى النقد الأجنبى قد انخفض إلى 0.5 مليار دولار منذ بداية فبراير الماضى وحتى نهاية يوليو، مقارنة بمتوسط انخفاض 2 مليار دولار شهرياً لمدة عام كامل من بداية الثورة .

 

وتشير تقارير مركز معلومات دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء إلى ارتفاع قيمة الدعم بنسبة %57.1 ليسجل فى موازنة عام 2012/2011 نحو 132.3 مليار جنيه مقارنة بـ 74.2 مليار جنيه خلال عام 2008/2007.

 

وأوضحت التقارير أن دعم المواد البترولية استحوذ على نحو %72.2 ليصل نصيب السولار منه إلى نحو %48 من إجمالى الدعم الموجه للمواد البترولية فى الموازنة السابقة، بينما استحوذ البوتاجاز على حوالى %14 ، أما البنزين فتأثر بنحو %13.2 ويتم استهلاك نحو 36 مليون اسطوانة بوتاجاز شهرياً .

 

وكشفت عن انخفاض نصيب دعم الخبز فى موازنة عام 2012/2011 من إجمالى الدعم ليصل إلى 10.8 مليار جنيه مقارنة بـ 15.2 مليار جنيه عام 2008/2007 ، لافتة إلى أن %81 من نسبة الأسر تستهلك الخبز المدعم بمتوسط نحو 12.6 رغيف للأسرة يومياً، واحتلت نسبة الدعم الموجه للسلع التموينية «دون رغيف الخبز » خلال عام 2012/2011 نحو %6.1.

 

وحذرت المدير التنفيذى لمركز الدراسات الاقتصادية من تقاعس الحكومة فى تنفيذ البرنامج، وقالت إن أى تأخير عن تنفيذ الإجراءات الإصلاحية أو استمرار سياسات الدعم والإنفاق الحالية، يهدد بارتفاع الأسعار ولكن على مستوى أبعد نتيجة زيادة الاقتراض الداخلى كبديل عن الاقتراض الخارجى، فضلاً عن تخفيض سعر العملة، موضحة أن تصريحات رئيسة صندوق النقد الدولى أشارت إلى ذلك بشكل غير مباشر بقولها إن تنفيذ بنود البرنامج الإصلاحى يحتاج إلى شجاعة سياسية .

 

وأكدت أن موافقة صندوق النقد الدولى على إقراض مصر 4.8 مليار دولار حتى وإن تمت لن تكفى لمساندة وضع الاقتصاد حتى نهاية العام المالى الحالى، مشيرة إلى أن الفجوة تكمن فى التزامات مصر بالعملة الصعبة التى تقدر بـ 11 مليار دولار نتيجة تراجع السياحة وزيادة الواردات .

 

وأوضحت أن أهمية موافقة الصندوق على إقراض مصر تكمن فى كونها دليلاً على الثقة فى قدرة الاقتصاد على التسديد، وهو ما يشجع الدول المانحة على إقراض مصر هى الأخرى، وقالت : على الحكومة أن تسعى فى أكثر من اتجاه لتوفير احتياجاتها من العملة الصعبة .

 

وأشارت إلى أن حزب الحرية والعدالة تحفظ على الاستعانة بالقروض الخارجية خلال فترة تولى الدكتور كمال الجنزورى، رئاسة الوزراء نظراً لمواءمات سياسية وعدم وضوح الرؤية وعدم وجود رئيس مدنى منتخب، لافتة إلى أن التعامل مع الوضع الاقتصادى للبلاد حالياً بواقعية يقتضى الاستعانة بالتمويل الخارجى وإصلاحات هيكلية فى الوضع المالى ووضع الصرف .

 

ووصفت تقديرات الحكومة للعجز فى موازنة العام المالى الحالى بـ %7.9 من الناتج المحلى الإجمالى بالمتفائلة، رافضة توقع أى أرقام عن العجز بنهاية العام المالى الحالى 2013/2012 ، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية ستقوم بإعادة النظر فى الموازنة مع ترتيب أولوياتها بما يتواءم مع زيادة قيمة القرض إلى 4.8 مليار دولار .

 

وكانت حكومة الدكتور كمال الجنزورى، قد كافحت من أجل السيطرة على العجز فى موازنة العام المالى المنتهى فى حدود %8.7 من إجمالى الناتج تقدر بنحو 135 مليار جنيه، غير أن توقعات تشير إلى تجاوز العجز فى الحساب الختامى للموازنة، الجارى إعداده %10 من الناتج المحلى الإجمالى .

 

واتفق الدكتور عبدالله شحاتة، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة مع قنديل حول حتمية التعجيل باتخاذ الإجراءات التى ينصح بها الصندوق لتصحيح وضع الاقتصاد على المدى الطويل، مشيراً إلى أهمية أن يصاحب تنفيذها الإعلان عن آليات واضحة تضمن عدم المساس بحقوق الفقراء وتابع : إن هيكلة الدعم لا تعنى تأثر الشرائح البسيطة من الشعب، لافتاً إلى أن إنفاق الدعم يعانى مشكلات أساسية على رأسها التسرب وعدم وصوله إلى مستحقيه .

 

واستشهد شحاتة بإعلان بريطانيا عن ارتفاع أسعار المواصلات العامة بمعدل 20 سنتاً اعتباراً من يناير المقبل، وهو ما يؤهل المواطنين لتقبل الزيادة والتكيف معها، مؤكداً ضرورة إحكام الرقابة على الأسواق لضمان تقديم جميع الخدمات العامة للشعب، وتابع : إن الشعب قد يتقبل زيادات الأسعار إذا ما لمس نتائج إيجابية تساهم فى بناء الثقة مع الحكومة وقال : ورثنا اقتصاداً مشوهاً لا مفر من تعديل مساره .

 

وأشار إلى أن متابعات صندوق النقد خطوات الإصلاح الاقتصادى تقتضى وضع خطط سنوية من الحكومة تتميز بالشفافية مع المواطنين والقوى السياسية لامتصاص غضب الشارع ومنع تكرار سيناريو مايو 2008.

 

وبرر قيام الدكتور محمد مرسى، الرئيس المنتخب برفع قيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولى إلى 4.8 مليار دولار نهاية الأسبوع الماضى، بينما رفض مبدأ الاقتراض الخارجى خلال فترة توليه رئاسة حزب الحرية والعدالة، بزيادة احتياجات الاقتصاد، مشيراً إلى أن رفع قيمة القرض جاء بناءً على رغبة الحكومة .

 

وقال إن موقف الحزب لم يتغير، موضحاً عدم التوافق على القرض خلال الزيارات السابقة للصندوق، فى شهر مارس الماضى، بعدم تلبية حكومة الدكتور الجنزورى مطلب صندوق النقد والحزب بتقديم نسخة مفصلة من البرنامج الاقتصادى الذى تعتزم الحكومة الالتزام به وإلزام الحكومة الحالية بتنفيذه أيضاً .

 

وأكد أن الحزب لم يحدد موقفه من القرض حتى الآن، مطالباً حكومة قنديل بنسخة من البرنامج المزعم تنفيذه رغم عدم اشتراط الصندوق التوافق السياسى الآن والاكتفاء بموافقة الرئيس المنتخب لإمساكه بالسلطات التشريعية .

جريدة المال

المال - خاص

1:00 م, الأثنين, 27 أغسطس 12