أنياب «الجنرال »

رجائى عطية

9:43 ص, الخميس, 21 فبراير 19

رجائى عطية

رجائى عطية

9:43 ص, الخميس, 21 فبراير 19

قد يكون من الصعب بادئ ذى بدء.. مراجعة المرء قادته العسكريين باستثناء أن يكون الأمر متصلاً بجلال المنصب وهيبة المؤسسة، إذ عندئذ لا تثريب على الناقد إلا بالقدر الذى يمس اختيار «القائد الأعلى» لمن يحيطونه، إيثاراً ربما لمبدأ السمع والطاعة أو استجابة لتضخم الذات، إلى أن يتوارى مع صغاره عن المسرح السياسى.. فيما تتخبط الحقائق فى غياهبها لغير صالح الوطن المفدَّى، ومقاديره المستقبلية .
إلى ذلك، قد يبدو ما سبق مقدمة نظرية لمناقشة المذكرات التى نشرت مؤخراً عن الفريق «محمد صادق» وزير الحربية السابق من مايو 1971 إلى أكتوبر 1972، صاغها أحد الصحفيين بموافقة من أبنائه، لتغطى مرحلة قضاها فى العمل السياسي/العسكرى ليست كافية بكل المقاييس لأن يدلى بشهادته على هذا النحو فى قضايا الحرب والسلام أو أن يكيل الاتهامات لقادة سبقوه أو تلوه، إذ لولاه- بحسبه- لما أمكن للرئيس السادات تثبيت أركان سلطته خلال أحداث مايو 1971، أو أن يتهم الفريق «فوزي» بالكذب، والنائب «على صبري» بالعمالة للاتحاد السوفيتى، والمشير «إسماعيل» بالتخاذل، والفريق «الشاذلي» بأنه محب للضجيج والدعاية لنفسه، و«الليثى ناصف» قائد الحرس الجمهورى بالتآمر أول الأمر مع مجموعة مايو لولا أن حاصر (صادق) معسكرات الحرس الجمهورى (وهو ما لم يحدث) وإلا كان بذلك يعرض الجيش لقتال بعضه البعض، ناهيك عن امتداد (سبابه) إلى الوزراء المدنيين حيث إن «عزيز صدقي» و«مراد غالب»- فى رأيه- ماركسيون، كما لم يسلم «السادات» من انتقاده حين اتهمه بالتساهل مع السوفييت فى مطالبهم قبل أن يشيد بقرار- طردهم- من مصر، حيث شبه وجودهم بأبشع من الاحتلال الإنجليزى، إلى آخر مثل هذه التَّرهات التى جاءت فى مذكراته- متناقضة- مع شهادات كل من القادة العسكريين مثل فوزى- إسماعيل- الشاذلى- عبدالمنعم خليل- واصل- هويدى.. إلخ فى مذكراتهم، ذلك فيما حرص «صادق» بالعكس- على إشادته بنفسه ونسبه وبطولاته (التى لم تكن فى ميادين القتال) بقدر زعمه كونها فى العمل السرى قبل 1952 أو فى دهاليز التآمرات السياسية منذ 1971، التى كان طرفا فيها- بعلمه أو عن غفلة منه- حين تجاوز صلاحياته العسكرية.. ليتعدى على المقتضيات السياسية الموكولة لرئيس الجمهورية دون غيره بحكم منصبه الدستورى .
لقد وقر فى قناعة الفريق «صادق» أن دوره إلى جانب الرئيس «السادات» فى أحداث مايو 1971، تعطيه الحق للمشاركة فى حكم البلاد.. لما قد يسمى «ازدواجية السلطة»، ذلك فيما كانت شعبية «الرئيس» تعانى جراء تعقيدات حالة اللا سلم واللا حرب، حيث سعى لتغذية هذا الطموح غير الشرعى لدى صادق، كل من اليمين العربى (..) أو اليمين الناصرى (..) بسيان، ولأسبابهما، خاصة مع تزايد شعبيته فى أوساط الجيش ولدى المدنيين، إذ كانت الإحالة للتقاعد لكبار الضباط- بقرار جمهورى- سرعان ما يتم استدعاؤهم مجدداً بقرار من وزير الحربية، ما حول شعور الولاء من القائد الأعلى إلى الوزير المختص (مثالاً)، كما مارس «صادق» من ناحية أخرى دور «العراب» لسياسة «السادات» لتحجيم النفوذ السوفيتى فى إطار المقاربة مع الولايات المتحدة التى كانت تطالب على لسان «هنرى كيسنجر» بـ«طرد» السوفييت» الأمر الذى لقى ترحيباً من جانبها ومن حلفائها فى المنطقة (..)، كما أدى إلى طمأنة إسرائيل من ناحية ثالثة، خاصة مع أحاديث «صادق» أمام الضباط فى أنشاص عن «صلح مشرف»، لكن سرعان ما يستدركه إلى تعديل عبارة «الصلح» حين رأى الدهشة على وجوه مستمعيه، كما كان دائم الانتقاد لمستوى التسليح الروسى.. وليصل به الأمر إلى سحب وحدات دفاع جوى سوفيتية عاملة فى مصر منذ شتاء 1970، دون سابق التشاور مع الرئيس الذى فوجئ بالقرار.. ولم يكن أمامه سوى الموافقة على قرار الوزير- إلى حين- وإلى آخر مثل هذه التجاوزات السياسية من الفريق «صادق» كانت تجد لها صدى شعبياً.. ولدى الغرب والسعودية وليبيا وغيرهم، الأمر الذى كان من أسباب تأخير الحسم العسكرى، مما أثار قلق القادة السياسيين وانزعاجهم مما قد يسمى أنياب «صادق»، إلى أن كانت إقالته فى 26 أكتوبر 1972، قبل عام من ملحمة النصر المؤثل .
رجائى عطية

رجائى عطية

9:43 ص, الخميس, 21 فبراير 19