أبرم أكبر بنك صيني اتفاقاً مبدئياً يتيح استحواذه علي فروع للتجزئة المصرفية في الولايات المتحدة، ستكون هذه الصفقة بعد موافقة الجهات الرقابية عليها هي الأولي التي تتيح استحواذ مؤسسة مالية تابعة للحكومة الصينية علي أصول مصرفية في الولايات المتحدة، ويري محللون أن إتمام هذه الصفقة سيفتح الباب علي مصرعيه أمام الشركات والبنوك الصينية لإبرام صفقات مماثلة.
|
وذكرت صحيفة وول ستريت أن الصفقة تقتضي قيام بنك انداستريال آند كوميرشال بنك أوف تشينا الذي يعد أكبر بنك في العالم وفقاً لبعض التقديرات بحيازة حصة أغلبية في فرع بنك أوف إيست آيشا في الولايات المتحدة نظير 100 مليون دولار. ويحتفظ بنك »أوف ايست آيشا« الذي يمتلكه القطاع الخاص والذي يتخذ من هونج كونج مقرا له بنحو 13 فرعاً في نيويورك وكاليفورنيا.
ويعد بنك انداستريال آند كوميرشال بنك أوف تشينا »ICBC « هو أول بنك صيني ينجح في الاستحواذ علي بنك إيداعات أمريكي، بما يعني بداية لموجة توسعات جديدة بقيادة المؤسسات المالية الصينية الراغبة في إبرام صفقات أخري مماثلة.
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب دعوة رئيسي الصين وأمريكا خلال زيارة الأول لواشنطن إلي تعزيز العلاقات التجارية فيما بين الدولتين. ومن المتوقع إخضاع الصفقة لفحص الجهات الرقابية الأمريكية بما فيها لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة بسبب تبعية البنك الصيني للدولة بالمخالفة للقوانين الأمريكية، وتم في السابق رفض صفقة تقدم بها البنك الصيني للاستحواذ علي أحد البنوك في الولايات التحدة، وهو ما يرشح تأجيل البت في الصفقة الحالية لفترة زمنية طويلة مقبلة. وسيصبح الأمريكيون في حال إتمام الصفقة قادرين علي التعامل مع فروع التجازئة المصرفية في الولايات المتحدة، وإنشاء حسابات ادخار وفتح حسابات باليوان.
ويتخذ بنك ICBC من بكين مقراً له، وتستحوذ الحكومة الصينية علي حصة أغلبية فيه بقيمة %70، ويحرص البنك علي التوسع خارج حدود الصين خلال الفترة القليلة الماضية عن طريق إقامة مشروعات مشتركة خارج سوق الصين التي لا يزال يحقق البنك عن طريقها معظم أرباحه، وانخرط البنك في نشاط السمسرة في الولايات المتحدة بإتمامه صفقة شراء رمزية لوحدة سمسرة أمريكية تخص شركة فورتس سيكيورت للأوراق تتم إدارتها بواسطة الفرع الفرنسي من بنك بي إن بي باريبا، لكن صغر حجم الصفقة حال دون إخضاعها لقيود صارمة تم فرضها بواسطة الجهات الرقابية المختصة بمراقبة المشتريات الأجنبية لعمليات التجزئة المصرفية.
وتشترط الجهات الرقابية الأمريكية عادة تقديم البنوك الأجنبية ما يثبت خضوعها لرقابة ملائمة في أسواقها المحلية ولإجراءات غسيل أموال قبل السماح لها ببدء ممارسة عمليات التجزئة المصرفية في أمريكا.
وتم توقيع العقد بوصفه أحد العقود العديدة من عقود وقعتها نحو 60 شركة صينية وأمريكية في حفل كبير نظمته وزارة التجارة الأمريكية ونظيرتها الصينية.
ويجيء ذلك في الوقت الذي تسعي فيه كل من بكين وواشنطن لإظهار رغبتهما في تعزيز العلاقات التجارية فيما بينهما رغم استمرار العديد من القضايا العالقة التي لم تجد طريقها إلي الحل مما يعوق فرص تطور هذه العلاقات مستقبلاً.
وتسعي الصين من جانبها لحث الولايات المتحدة علي تخفيف قيودها الرقابية علي الصادرات الأمريكية من المنتجات التكنولوجية رفيعة المستوي المتجهة للصين، بينما ترغب الولايات في تحفيز الصينيين علي شراء المزيد من المنتجات والخدمات الأمريكية. ويري مسئولون في الوفد الصيني الذي صاحب الرئيس هوجنتاو خلال زيارته لأمريكا أن حفل التوقيع علي العقود هو الحدث الأهم خلال الزيارة.
وكانت الحكومة الصينية قد انتهجت سياسة تشجيع الشركات الصينية علي التوسع في العالم خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في ضوء حيازة الصين احتياطياً هائلاً من النقد الأجنبي ترغب في تحويله إلي أصول ورؤوس أموال خشية فقدان قيمته بسبب الصعود المتواصل لمعدلات التضخم وتهدف البنوك الصينية إلي تعزيز استثماراتها في الخارج بغرض ضمان عدم فقدانها عملاء رئيسيين لمصلحة بنوك أمريكية وأوروبية تحتفظ بشبكات ضخمة فعلية في جميع أنحاء العالم.
وبينما سجلت شركات إنشاءات وموارد صينية نجاحاً في غزو الأسواق الجديدة لم تتمكن المؤسسات المالية من تحقيق نجاح مماثل، بسبب اتسام سياساتها التوسعية بالتباطؤ. واكتفت معظم الاستثمارات الصينية في القطاع المالي في الولايات المتحدة حتي الآن بالحصول علي حصص أقلية سلبية في شركات مثل »بلاكستون جروب«، و»مورجان ستانلي«، وهو ما يعطي مذاقاً خاصاً للصفقة الحالية التي تشهد استحواذ بنك ICBC علي حصة أغلبية في بنك أو ايست آيشا لكونها تؤشر علي التغيير الذي طرأ علي السياسة التوسعية للبنك الصيني.
وستؤدي الصفقة في حال موافقة الجهات الرقابية الأمريكية عليها إلي السماح لبنك ICBC بالاستفادة من إيداعات الأمريكيين، ويحتفظ البنك حالياً بفرع واحد في مدينة نيويورك، لكن الأخير غير منخرط في أعمال التجزئة المصرفية. ويعتبر بنك أوف تشينا هو البنك الصيني الوحيد الذي يحتفظ برخصة تتيح له التعامل في أنشطة التجزئة المصرفية في السوق الأمريكية، كما أنه يحتفظ بفرعين تابعين في مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس، وأقبل البنك مؤخراً علي السماح للزبائن الأمريكيين بشراء وبيع العملة الصينية عبر فروعه في الولايات المتحدة. وتعد الخطوة الأخيرة هي أحدث محاولة صينية لجعل اليوان عملة عالمية يمكن استخدامها في التجارة والاستثمارات.
وواجهت البنوك الصينية مصاعب كبيرة في الماضي قبل السماح لها بدخول السوق الأمريكية. فقد انتظر بنك ICBC قرابة عامين قبل السماح له بفتح فرع تابع له في مدينة نيويورك اختص حتي الآن بتقديم قروض تجارية.
ورفضت الجهات الرقابية الأمريكية محاولات عديدة بذلتها بنوك صينية للاستحواذ علي بنوك أمريكية، ومثال ذلك اعتراض السلطات الأمريكية علي عرض الشراء الذي تقدم به بنك تشينا مينشينج بانكنج الذي امتلك بالفعل في 2008 حصة نسبتها %9.9 من بنك UBC هولدنجز الذي يتخذ من سان فرانسيسكو مقراً له، وأبدي البنك الصيني رغبته في شراء حصة أغلبية في البنك الأمريكي الذي لحقت به أضرار في أعقاب الأزمة المالية بسبب القروض الرديئة والأخطاء المحاسبية.