وقعت رسوم أنشطة البنوك الاستثمارية في دول غرب أوروبا، ضحية لأزمة الديون اليونانية حيث توقفت معظم الشركات من لندن حتي دسلدورف عن الاكتتابات العامة في الأسهم والسندات، كما تجمدت عمليات الاستحواذات والاندماجات لدرجة أن الرسوم من هذه الأنشطة والتي تحصل عليها البنوك مقابل استشاراتها المالية، تراجعت بحوالي %16 خلال الشهور الأربعة الأولي من هذا العام لتصل إلي 5.9 مليار دولار فقط بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي لتصل إلي أدني مستوي لها منذ 6 سنوات.
وذكرت وكالة بلومبرج أن الشركات الأوروبية ابتعدت في الفترة الأخيرة عن التعامل في الأسواق الأولية بسبب التقلبات والشكوك التي تحوم حولها لتزايد مخاطر الديون السيادية في عدة دول بمنطقة اليورو.
وقال إيفور دانيار، رئيس أسواق المال العالمية في دوتش بنك الذي يحتل هذا العام المركز الأول كأفضل بنك استشاري في عمليات بيع سندات وأسهم الشركات وصفقات الاندماجات والاستحواذات، إن رسوم هذه العمليات في البنوك الأوروبية وصلت إلي نفس المستوي الذي كانت عليه عام 1999 عندما بدأ التعامل في العملية الموحدة »اليورو« لأول مرة.
ومن الغريب أن هذا التراجع في رسوم الأنشطة الاستثمارية في أوروبا يقابله ارتفاع قدره %53 في رسوم البنوك الأمريكية و%68 ارتفاعاً في آسيا بعد أن تقلصت الثقة بين الشركات الأوروبية في قدرة الدول المتعثرة علي سداد ديونها السيادية برغم أن الاتحاد الأوروبي أعلن عن تدابير مالية غير مسبوقة بقيمة نحو تريليون دولار لإنقاذ اليونان.
وإذا كانت اليونان تقع علي قمة تلال الديون السيادية فإن معظم حكومات أوروبا غير قادرة علي معالجة ديونها أو العجز الهائل في ميزانياتها كما يقول بروفيسور نوريل روبيني استاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك.
ويبدو أن عمليات الاندماجات والاستحواذات وصفقات تمويل أسواق المال لن تعود إلي ذاتها الطبيعية ما لم تكن هناك شفافية تامة حول المشاكل التي تواجه منطقة اليورو، لاسيما أن بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي، حذر مؤخراً الاتحاد الأوروبي من احتمال انهيار اليورو بسبب عدوي ديون اليونان المتوقع أن تنتقل إلي البرتغال واسبانيا وايطاليا.
ويؤكد »سيمون موجان« محلل البنوك بشركة »MF جلوبال سيكيوريتز« بلندن أن رسوم الانشطة الاستثمارية في البنوك الاوروبية، ستظل متعثرة حتي نهاية هذا العام بسبب ضعف النمو الاقتصادي في معظم دول أوروبا والقواعد التنظيمية الجديدة التي ستقيد أنشطة البنوك، مما يدفع الانشطة الاستثمارية بعيداً عن »لندن« واتجاهها إلي المراكز المالية الآسيوية مثل »هونج كونج« بعد أن تراجع الناتج المحلي الاجمالي لمنطقة اليورو إلي سالب %4.1 في العام الماضي واحتمال نموه %0.9 فقط هذا العام.
وكان وزراء مالية الاتحاد الأوروبي قد وافقوا الشهر الحالي علي مسودة قواعد تقيد أنشطة صناديق التحوط والاستثمارات المباشرة، كما أن الحكومة البريطانية فرضت ضريبة علي البنوك ووضعت اجراءات لفصل الانشطة البنكية المعتادة عن الاستثمارات البنكية.
كما قفزت رسوم الانشطة الاستثمارية في البنوك الأمريكية من 6.5 مليار دولار خلال الفترة من يناير حتي نهاية أبريل العام الماضي، إلي 10 مليارات دولار خلال هذه الشهور من العام الحالي بفضل تزايد الايرادات من الاكتتابات العامة ومبيعات السندات مرتفعة العوائد.
كما قفزت إيرادات هذه الرسوم في البنوك الآسيوية بنسبة %68 خلال الفترة نفسها لتصل إلي 5.6 مليار دولار لأول مرة في تاريخها، مما يجعل آسيا أفضل سوق مربحة في هذا المجال إذا سارت بهذا المعدل حتي تتفوق علي أوروبا بحلول عام 2011 كما يؤكد فرحان فاروق، رئيس قسم التعاملات البنكية العالمية في آسيا الباسيفيك ببنك سيتي جروب.
ومن المتوقع أن تزيد حصة آسيا من إجمالي الرسوم الناتجة من أنشطة البنوك الاستثمارية العالمية خلال الاعوام المقبلة، حيث باتت آسيا موطناً للعديد من الشركات المحلية الضخمة الساعية إلي دخول المنافسة العالمية، ولذلك تحتاج الآن إلي زيادة رؤوس أموالها والدخول في صفقات اندماجات واستحواذات لتصبح أضخم.
كما ارتفعت رسوم الانشطة الاستثمارية في بنوك الصين وهونج كونج بنسبة %161 بفضل فقاعة الاقتصاد الصيني الذي سجل نمواً بلغ %11.9 في الربع الأول من هذا العام ولأول مرة منذ 3 سنوات تقريباً.
وبدأت البنوك الغربية التكيف مع أهمية الصين المتزايدة لدرجة أن الرئيس التنفيذي لبنك »HSBC « هولدنجز وهو أكبر بنك في أوروبا، انتقل إلي هونج كونج في فبراير الماضي، ويسعي حالياً للحصول علي ترخيص لبيع أسهم في شنغهاي.
كما أن بنك »JP « مورجان شيسي ثاني أكبر بنك في الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية الأًصول، أسس شركة أوراق مالية مشتركة مع فيرست كابيتال سيكيوريتز في الصين للاستفادة من انتعاش الاستثمارات فيها، لا سيما أن سكوت موللر منسق الصفقات الاندماجية في ديوتش بنك سابقاً البروفيسور حالياً في كلية كاس لادارة الاعمال، يؤكد أن الغرب يتجه إلي الانهيار المالي في غضون سنوات قليلة مقبلة.
أما قيمة صفقات الاندماجات والاستحواذات الأوروبية التي تمت خلال الشهور الأربعة الأولي من العام الحالي، فقد تهاوت بنسبة %68 إلي 62.4 مليار دولار فقط بسبب الأزمة المالية لدرجة أن »رويال بنك أوف اسكتلندا« أكبر بنك تملكه الحكومة البريطانية، توقف عن بيع وحدته المختصة بتمويل صناعة الطيران، كما أن شركة »E.on « الألمانية للمرافق توقفت عن بناء شبكة غاز طبيعي في إيطاليا خلال الشهر الماضي.
كما انهارت أيضا مبيعات السندات في أوروبا بحوالي %44 عن العام الماضي لتصل إلي 271 مليار يورو في الشهور الأربعة الأولي من هذا العام بسبب تأجيل العديد من عمليات البيع مثل شركة »تاورجيت بارتنرشيب« أكبر شركة مستقبلية للمضاربة في التأمين بأوروبا التي أرسلت هذا الشهر بيع سندات عالية الفوائد بقيمة 665 مليون جنيه إسترليني بسبب تقلبات الأسواق المالية، كما أن شركه ناشيونال إكسبريس للسكك الحديدية البريطانية أجلت بيع سنداتها في نهاية أبريل الماضي.
وسجلت الشركات في غرب أوروبا 9.1 مليار دولار من 28 عملية اكتتاب خلال الشهور الأربعة الأولي من العام الحالي، بينما لم يشهد عام 2009 أي عملية اكتتاب علي الإطلاق مع انعدام الثقة في الأسواق المالية، حيث لم يعد هناك أي شركة تريد بيع أوراق مالية أو الحصول علي قروض لتمويل عمليات توسعية أو عقد صفقات اندماجات واستحواذات.