%11‮ ‬انكماشاً‮ ‬في التجارة العالمية‮.. ‬والناتج الإجمالي يتراجع إلي سالب‮ ‬%1.3

%11‮ ‬انكماشاً‮ ‬في التجارة العالمية‮.. ‬والناتج الإجمالي يتراجع إلي سالب‮ ‬%1.3
جريدة المال

المال - خاص

1:50 م, الأحد, 17 مايو 09

خالد بدر الدين
 
يبدو ان نقطة انقلاب منحني النمو الاقتصادي بدأت ترتفع علي استحياء بعد أن وصلت إلي أدني مستوي لها ومما يعني أن ازمة الركود الحاد العالمية وصلت إلي أعماق الهاوية ولن ينزلق الاقتصاد العالمي أكثر من ذلك، حسبما أكد مؤخراً جان كلود تريشيه رئيس البنك الأوروبي المركزي الذي رأس مؤخراً اجتماع محافظي البنوك المركزية العالمية، الذي يعقد كل شهرين تحت رعاية بنك التسويات الدولية بمدينة بازل السويسرية.

 
وقد ارتفع مؤشر الشركات غير الصناعية الذي يقدمه المعهد الأمريكي لإدارة العرض من 40.8 نقطة في مارس إلي 43.7 نقطة في الشهر الماضي.. كما ارتفع مؤشر الشراء، والعرض الذي يستخدمه معهد شارترد البريطاني من 45.5 إلي 48.7 نقطة خلال نفس الفترة، مما يعني بداية الصعود نحو الانتعاش، وأكدت المؤشرات الاقتصادية العالمية حدوث تحسن طفيف في فرنسا وايطاليا والصين التي حققت معدل نمو %6.1 في الربع الأول من العام الحالي، وان كان هذا النمو يعادل نصف ما حققته الصين تقريباً في منتصف عام 2008، ولذلك لا يجب المبالغة في التفاؤل من هذه التحسينات الطفيفة.
 
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز ان البيانات الشهرية التي تقدمها منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية »OECD « وتستهدف أساسًا تقديم بوادر مبكرة عن نقاط التحول الاقتصادي، تؤيد التفاؤل الحذرالذي أعلنه رئيس البنك المركزي الاوروبي وتشير النتائج إلي استمرار التباطؤ الشديد في الاقتصادات المتقدمة ككل، ولكن هناك مجموعة صغيرة من الاقتصادات العالمية، بدأت تخرج من عنق الركود الخانق، وتتجه نحو الانتعاش، ومنها »الصين« مثلاً، كما ان الاقتصاد العالمي من المتوقع له ان ينكمش بنسبة %1.3 هذا العام بالمقارنة بالتوقعات السابقة التي بلغت %1.8.
 
وتتوقع »OECD « انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو الـ16 بنسبة %2 إلي %2.5، خلال الربع الأول من العام الحالي بالمقارنة بنفس الفترة من عام 2008، وهو أسوأ أداء للمنطقة منذ انشائها، كما ان الانتاج الالماني من الصلب تراجع بنسبة %53، في ابريل بينما انخفض الإنتاج الصناعي الايطالي بنسبة %24 في مارس، و%16 للإنتاج الصناعي الفرنسي.
 
ومع ظهور بوادر طفيفة علي قرب انتعاش الاقتصاد العالمي تفكر البنوك المركزية العالمية التي منحت قروضاً بلغت عدة تريليونات من الدولارات للحفاظ علي النظام المالي العالمي في كيفية استرداد هذه المبالغ الضخمة، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي تضخمت ميزانيته، لتتجاوز الآن 2.5 تريليون دولار، منها أكثر من 362 مليار دولار أوراقاً مالية مدعومة بالرهن العقاري، وأكثر من 240 مليار دولار ديوناً قصيرة الأجل في شكل أوراق تجارية، وغيرها من عشرات المليارات المخصصة لانقاذ البنوك والشركات المتعثرة.
 
ولا تعاني الولايات المتحدة الأمريكية من ضخامة ديونها، ولكنها تحاول أيضا حل مشكلات صادراتها التي كانت تشكل قبل الأزمة حوالي %47، من النمو الاقتصادي الأمريكي، ولكنها الآن تواجه انهيار التجارة العالمية، التي من المتوقع ان تنكمش بحوالي %11 هذا العام، حيث تطبق معظم دول العالم سياسة الترشيد، وخفض الانفاق الاستهلاكي بعد تجميد التدفقات المالية بين الدول، التي أدت إلي تعثر الأسواق الناشئة، لا سيما دول شرق أوروبا التي كانت تعتمد عليها تماماً في تمويل أنشطتها الاقتصادية مع صادراتها التي توقفت أيضاً تقريباً.
 
وكان الاقتصاد العالمي قد شهد خلال العقدين الماضيين ازدهاراً في التجارة، والتعاملات المالية بين الدول بجانب انتعاش التجارة العالمية، وظهور قوي اقتصادية جديدة مثل »الصين« التي يقدر اقتصادها حالياً بحوالي 4 تريليونات دولار، بزيادة خمسة أضعاف علي ما كانت عليه في عام 1991، كما ان منظمة التجارة العالمية تتوقع نمو التجارة العالمية بحوالي %0.6 عام 2010، بالمقارنة بأكثر من %12 عام 2000.
 
ويري خبراء الاقتصاد ان الركود الاقتصادي سيؤدي إلي تضخم خسائر المؤسسات المالية، ويجعلها تعتمد أكثر علي الخطوط الائتمانية، مما يؤدي إلي مزيد من الضعف الاقتصادي، وتتابع هذه الدائرة المفرغة إلي ما لا نهاية، ولذلك يكمن التحدي الرئيسي الذي يواجه الحكومات في قطع هذه الدائرة، وفصل النظام المالي عن الاقتصاد العالمي، وان كان هذا يعني ان تواجه المؤسسات المالية خسائر قدرها 4 تريليونات دولار، بسبب القروض المعدومة، والأصول المسمومة، وستتحمل البنوك ثلثي هذا المبلغ الضخم، ويستغرق استقرار الأسواق المالية وقتاً طويلاً لا يستطيع أي خبير اقتصادي تحديد أمده وقد بذلت معظم حكومات الدول الغنية جميع وسائلها النقدية المالية لمواجهة الأزمة العالمية مثل اقتراب أسعار الفائدة من »الصفر«، وتطبيق سياسات التوسع الكمي، ومنح التدابير المالية الضخمة لدرجة أن دول مجموعة العشرين قدمت برامج انفاق ضخمة بلغت أكثر من %2، من الناتج المحلي العالمي لدفع عجلة اقتصاداتها، وان كانت البنوك مازالت في حاجة إلي 1.7 تريليون دولار لمساندتها حتي تعود إلي ما كانت عليه من ازدهار، قبل اندلاع أزمة الائتمان عام 2007.
 
وأكد صندوق النقد الدولي ان الأزمات الاقتصادية التي تعقب الأزمات المالية تدوم أطول وتكلف أكثر، وحلها أصعب من الأزمات الاقتصادية العادية التي لا تأتي بعد الأزمات المالية، حيث أدت الازمة الراهنة إلي انخفاض قيمة العقارات، بأكثر من %33، وانهيار أسعار الأسهم، بحوالي %56، ولن تعود هذه القيم والأسعار إلي حالتها السابقة قبل فترة قد تصل إلي ما بين 6 سنوات و3 سنوات علي الأقل.
 
      وإذا كان الخبر السعيد الذي ينتشر الآن في الأسواق العالمية ان أسوأ مراحل الأزمة الحالية قد مرت بسلام إلا ان الخبر المحزن يفيد ان سنوات سداد الديون وبرامج اعادة الهيكلة المؤلمة وارتفاع البطالة مازالت مقبلة في المستقبل.
 
غير أن الدول الناشئة تعرضت لمشاكل أسوأ بسبب الأزمة المالية العالمية مثل روسيا التي تعثر اقتصادها بدرجة واضحة، في بداية هذا العام لدرجة انه يتوقع انكماش انتاجها بنسبة %4.5 عام 2009، بسبب توقف تدفق الاستثمارات الأجنبية التي بلغت 42 مليار دولار عام 2007 و81 مليار دولار عام 2008 ولكنها الآن لم تتجاوز 131 مليون دولار فقط، كما ان الحكومة الروسية انفقت أكثر من 100 مليار دولار من احتياطيها الأجنبي لدعم عملتها التي تدهورت كثيراً خلال الركود العالمي، لدرجة أن ميخائيل كاسياتوف رئيس وزراء روسيا السابق أكد الشهر الحالي ان روسيا تواجه كارثة، وربما ثورة في غضون سنة واحدة ما لم يتوقف هذا الانهيار الاقتصادي الذي تتعرض له.
 
وتعقد روسيا الآمال – شأن الاقتصاد العالمي – علي تزايد التوقعات باستعادة النمو في العام المقبل لاسيما مع تقوية جهود الحكومات في مساندة التدابير المالية ودعم المؤسسات المالية، والتخلص من القروض المعدومة حتي يبدأ الاقتصاد العالمي في التوسع من جديد، بحلول عام 2010.
 
ولكن مع تكرار تعديل التوقعات الرسمية فإنه ليس هناك أمل كبير في الاعتماد علي مثل هذه التوقعات لأنه قبل عام واحد توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي بمعدل سنوي قدره %3.8 عام 2009 والآن يؤكد الصندوق انهيار النمو بمعدل سالب قدره %1.3، مما يعني ان الركود الحالي ظاهرة فريدة لا تتكرر سوي مرة واحدة خلال قرن من الزمان.

جريدة المال

المال - خاص

1:50 م, الأحد, 17 مايو 09